غزة.. الوضع القائم هو الوضع الدائم

فهد الخيطان

حرير- كلما اقتربنا من المرحلة الثانية لخطة ترامب في غزة، يتبدى أكثر فأكثر حجم الغموض في بنودها، ما يجعلها أسيرة الاجتهادات والتفسيرات المتباينة من كل طرف وفقا لمصالحه.

إذا اعتمدنا قراءات إسرائيل وحماس لبنود المرحلة الثانية من الخطة، لن يكون من المرجح أبدأ الوصول إلى جدول تنفيذي واحد، ما يعني أن الطرفين سيعلقان لفترة طويلة في مناقشات لا تفضي لنتيجة، دون دور ضاغط من الوسطاء والإدارة الأميركية. ولهذا السبب يوفد الرئيس ترامب أرفع مسؤولي إدارته؛ نائب الرئيس والمبعوث ويتكوف، إلى المنطقة، لتفادي انهيار وقف إطلاق النار، خاصة بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير.

والتحدي لا يقتصر على توفر الإرادة من عدمها عند الطرفين للمضي قدما في تنفيذ الجزء الأصعب من الخطة، إنما في الوقائع القائمة على الأرض والصعوبات التي تعترض طريق الوسطاء.

لم تتوفر بعد صيغة واقعية ومقبولة من جميع الأطراف، لنزع سلاح حركة حماس، والفصائل الأخرى في القطاع، فبين من يقترح التجميد ومن يدعو إلى وضع السلاح كوديعة بين أيدي أطراف فلسطينية أو عربية، والموقف الإسرائيلي المتشدد، الذي يريد من نزع السلاح عنوانا للاستسلام التام، تبدو مهمة الوسطاء والمبعوثين الأميركيين، معقدة إن لم تكن مستحيلة.

ولا تقل مسألة انتشار القوات الدولية في غزة تعقيدا عن قضية السلاح الحمساوي. حتى الآن تظهر العناصر الأمنية التابعة لحماس قدرة تنظيمية عالية في الانتشار والسيطرة في المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال. وفي ضوء هذا الحضور اللافت لعناصر الشرطة، والخلاف المستحكم حول مصير سلاح حماس، من المستبعد تماما أن تقبل أي من الدول أن تزج بقواتها في القطاع. كما يبدو صعبا على قوات من الشرطة الفلسطينية التي يجري تدريبها في مصر، دخول القطاع وسط هذه الفوضى دون ترتيبات متفق عليها من جميع الأطراف.

على المدى المنظور، يعني هذا الوضع أن إسرائيل ستعمد إلى تقليص حجم المساعدات المقررة للقطاع، ومنع إدخال الآليات اللازمة لرفع الأنقاض ومساعدة الناس على تحسين شروط حياتهم وسط هذا الدمار المخيف. وبقاء جيشها مسيطرا على أكثر من نصف مساحة القطاع.

في المقابل، تعثر تطبيق خطة ترامب، يعني استمرار سيطرة حركة حماس على المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال، لعدم توفر بديل فلسطيني أو دولي يتولى شؤون إدارة شؤون المناطق والمقيمين فيها وهم النسبة الأكبر من سكان القطاع.

بالطبع لن نجد من الدول المانحة أي تجاوب مع دعوات تقديم المساعدات المالية لإعادة إعمار القطاع. لقد أبلغت معظم الدول المعنية بهذا الملف، الجانب الأميركي بأنها غير مستعدة على الإطلاق لاستثمار أموالها قبل التنفيذ الكامل لبنود خطة ترامب.

باختصار، ليس ثمة فرصة مؤكدة بعد لخروج قطاع غزة من الحالة الكارثية التي يعيشها. وقف إطلاق النار مهدد بالانهيار حاليا، واهتمام إدارة ترامب في تطبيق خطة الرئيس قد يتراجع، على وقع الخلافات والنوايا الإسرائيلية المبيتة. يكفي أن تفتح أمام ترامب نافذة لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا كي يصرف انتباهه عن الشرق الأوسط. عندها لن يكون هناك خيار سوى الأمر الواقع، بمعنى آخر أن يبقى الوضع على ماهو عليه لفترة طويلة.

مقالات ذات صلة