
معدلات النمو والدين والبطالة
سلامة الدرعاوي
حرير- تُظهر المؤشرات الاقتصادية للأردن خلال الفترة بين 2009 و2026 والتي أوردها تقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي مسارًا متباينًا يعكس مزيجًا من التحديات والقدرة على التكيّف، فعند مقارنة بداية الفترة بنهايتها، نلحظ تغيرات حادة في معدلات النمو والدين العام والبطالة، يقابلها استقرار نسبي في التضخم وتحسّن تدريجي في الحساب الجاري.
الناتج المحلي الإجمالي بدأ بأسعار السوق الثابتة بنمو متواضع بلغ 2 % في عام 2009، ثم قفز إلى 3.5 % في 2010، أي بزيادة تفوق 1.5 نقطة مئوية خلال عام واحد، قبل أن يتراجع مجددًا إلى 2.0 % في 2012 نتيجة الضغوط الإقليمية وتباطؤ الاستثمارات.
ورغم التذبذب في العقد اللاحق، فإن متوسط النمو للفترة 2015–2023 استقر عند حدود 2.4 % فقط، ما يعكس ضعف القدرة على تحقيق نمو مستدام، ومن المتوقع أن يرتفع تدريجيًا إلى 2.7 % في 2025 و3.0 % في 2026، ما يشير إلى تحسّن طفيف لكنه دون الطموحات الوطنية.
أما معدل البطالة فشهد صعودًا متسارعًا، إذ كان 12.9 % في 2009، وارتفع إلى 18.6 % في 2018، ثم قفز إلى 23.2 % في 2020 خلال جائحة كورونا، أي بزيادة تعادل 10.3 نقطة مئوية خلال عقد واحد، ومع بدء التعافي، تراجع المعدل إلى 22 % في 2023، ويتوقع أن ينخفض أكثر في 2024 مع عودة النشاط السياحي والصناعي.
على صعيد التضخم، سجلت الأسعار قفزات واضحة في بداية العقد، إذ ارتفع معدل التضخم من -0.7 % في 2009 إلى 4.8 % في 2010، ثم بقي ضمن نطاق معتدل يتراوح بين 2 %
و4.5 % حتى 2023، مع متوسط سنوي يقارب 2.7 %، وهو ما يعكس نجاح السياسة النقدية في احتواء الضغوط السعرية رغم تقلبات الطاقة والغذاء، وتشير التوقعات إلى استقرار التضخم عند 2.1 % في 2025 و2.2 % في 2026، بما يتوافق مع المستويات المستهدفة للبنك المركزي.
أما الدين العام فقد تضاعف تقريبًا خلال 15 عامًا، إذ ارتفع من 64.4 % من الناتج المحلي في 2009 إلى 93.3 % في 2018، ثم إلى 114.1 % في 2023، ويُتوقع أن يبلغ 116.6 % في 2024، أي بزيادة إجمالية تقارب 52 نقطة مئوية منذ 2009، وهذه الزيادة تعكس تراكم العجز والتمويل الموجه لدعم الموازنة والمشاريع الرأسمالية، ومع ذلك، فإن استمرار ضبط العجز عند حدود 5.9 % من الناتج المحلي في 2024 مقارنة بـ 10 % في 2012 يُعد إشارة إيجابية على تحسن الانضباط المالي.
في المقابل، تحسّن الحساب الجاري تدريجيًا من عجز بلغ
14.9 % من الناتج المحلي في 2012 إلى 3.5 % فقط في 2023، بفضل انتعاش الصادرات وإيرادات السياحة وتحويلات العاملين، وهذا التحول بمقدار أكثر من 11 نقطة مئوية خلال عقد يعكس أثرًا مباشرًا لسياسات تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستقرار النقدي.
ختامًا، يُظهر المسار العام أن الأردن انتقل من مرحلة الانكشاف المالي إلى مرحلة التوازن النسبي، لكنه ما يزال يواجه تحديًا رئيسًا يتمثل في النمو الضعيف والبطالة المرتفعة، فإذا تمكنت الحكومة من رفع النمو إلى ما فوق 4 % وخفض الدين تدريجيًا إلى ما دون 100 % من الناتج المحلي بحلول 2030، فسيكون الاقتصاد الأردني قد دخل بالفعل مرحلة التعافي الهيكلي المستدام.