2022… عام حرب أوكرانيا ومفاجآت مونديال قطر

علي أنزولا

حرير- بعد أقل من أسبوعين، يودّع العالم سنة 2022، ويستقبل سنة أخرى. وقبل توديع السنة التي تشرف على النهاية، تستوقفنا، كما العادة، أهم الأحداث التي ميزتها، خصوصاً التي أثرت على حياة الملايين من البشر، أو ستلقي بتداعياتها على ما هو مقبل من الأيام، فقد بدأت هذه السنة على وقع دقّات طبول الحرب في أوكرانيا، وانتهت على دقّات طبول الفرح التي انطلقت من الدوحة وعمّت أنحاء العالم.

هي سنة أخرى نطويها من حياتنا لنستقبل سنة جديدة لا نعرف ما تخبئه لنا من مفاجآت، لكنها ستبقى سنة مميزة بما حملته من أتراح وأفراح، سيتذكّرها العالم بالحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت نيرانها، التي كانت متقدة تنتظر فقط من ينفخ في رمادها، بتهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخطاباته التي كانت تحبس أنفاس العالم، خصوصاً عندما كان يلوّح باللجوء إلى استعمال سلاحه النووي المدمّر، وانطلقت شرارتها نهاية فبراير/ شباط الماضي، عندما هاجمت قواته أوكرانيا مذكّرا الغرب، وأوروبا تحديداً، بمآسي الحربين العالميتين اللتين جرت معاركهما الطاحنة فوق التراب الأوروبي. وسرعان ما انعكست آثارها على العالم، بسبب تداعياتها على الأمن والاستقرار الدوليين، وتأثير تداعياتها على الطاقة والغذاء والاقتصاد العالمي بصفة عامة، وانعكست آثارها على ملايين البشر في جميع أنحاء العالم، جرّاء ارتفاع الأسعار والتضخّم وأزمة الغذاء، من دون الحديث عن آلاف الأرواح التي أزهقت خلال الشهور الماضية في الجانبين، الأوكراني والروسي، وما زالت تتساقط وسط معاناة الملايين من المدنيين الأوكرانيين الذين يئنون تحت القصف، ويفتقدون التدفئة والغذاء.

حملت هذه الحرب معها قصصاً مروّعة لقوة التدمير وبشاعة ما تضمره النفس البشرية، وأخرى حزينة لملايين المدنيين النازحين عن بيوتهم هرباً من الحرب وبحثاً عن ملاذ آمن، لكنها، في الوقت نفسه، كشفت عن زيف خطابات وتمثلات كثيرة كان بعضهم يسقطها على الغرب، عندما اكتشف ازدواجية معاييره، سواء في تعامله مع ضحايا تلك الحرب من مهجّرين ونازحين كانوا يستقبلون بالحلوى والورود في مطارات المدن الأوروبية ومحطات قطاراتها، بعيداً عن الصور النمطية لضحايا الحروب في عالمنا العربي والعالم الثالث بصفة عامة الذين يرسلون إلى الملاجئ تحت الخيام المهترئة حتى يصبحوا نسياً منسياً. أما على مستوى التغطية الإعلامية الغربية، فقد فضحت هذه الحرب نفاق الغرب في تعاطيه مع مآسي الضحايا، عندما تكون بشرتهم بيضاء ولون عيونهم زرقاء وشعرهم أشقر، إلى درجة جعلت مراسل إحدى القنوات الأميركية الكبيرة يصف الحرب الأوكرانية، في عبارات عنصرية مقيتة بأنها “حربٌ متحضّرة”، فقط لأنها تجري فوق تراب غربي وبين غربيين! فمتى كانت الحروب متحضرة، حتى لو جرت بين أبناء العمومة، فالضحايا هم الضحايا والموت واحد، والمعاناة لا يشعر بها إلا من يقاسيها. هي الحرب بكل بشاعتها وقبحها، كما قال شاعر العرب وحكيمها زهير بن أبي سُلمى:

وَمَا الحَربُ إِلّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ/ وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ

ومع دخول هذه الحرب شهرها العاشر، يبدو أنها ستستمر في العام المقبل، وربما فترة أطول، ولعل هذا أسوأ خبر نودّع على أثره السنة المنتهية، ونحن نردّد مع شاعر العرب وفارسها، عمرو بن معد يكرب، الذي تنسب له هذه الأبيات:

الحَربُ: أَوَّلُ مَا تَكُونُ فُتَيَّة/ تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ

حَتَّى إِذَا اسْتَعَرتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَ/ عَادَتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ خَلِيلِ

شَمْطَاءَ جَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَنَكَّرَت/ مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ

وبعيدا عن الحرب وأهوالها ومآسيها وانعكاساتها المدمّرة على الأمن والاستقرار والاقتصاد وعلى النفس البشرية، شاءت الأقدار أن تُقفل السنة المنتهية على الفرح العارم الذي حملته المفاجآت السارّة لمونديال قطر، أول نسخة لهذا الحفل الكروي العالمي فوق أرض عربية ويتألق فيها أبطالٌ عرب وأمازيغ. وربما سيتذكّرها العالم بوصفها آخر عرس كروي عالمي يقام على أرض دولة واحدة، بل فوق رقعة مدينة واحدة، في سابقة لم يشهدها هذا المحفل الدولي من قبل، ولا يُعتقد أنها سوف تتكرّر في المقبل من النسخ، بعد أن قرّر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تنظيم مسابقاته المقبلة مشتركة على أرض أكثر من دولة واحدة.

انطلقت منافسات كأس العالم في حالة من عدم اليقين والاحتجاجات والقلق بشأن إقامة نهائيات كأس العالم في دولة عربية. بدا الأمر وكأنه امتداد لحملات التحامل الغربي على كل ما هو عربي وإسلامي، قبل أن تأتي المفاجآت السارّة والصدمات المثيرة ولحظات التوتر والتشويق الجميلة لتُنسي الناس كل ما كتب وقيل عن سجل حقوق الإنسان في قطر، وحظر المشروبات الكحولية في الملاعب، والشكوك حول كيف منح “فيفا” قطر فرصة تنظيم كأس العالم. لكن، ما إن انطلقت صافرة البطولة حتى سارت كل الأمور بسلاسة كبيرة، ولأول مرة تعايش جميع المشجّعين الذين جاءوا من جميع أنحاء العالم، رغم اختلافهم، فوق الرقعة الأرضية نفسها التي ضمّت الملاعب الثمانية، حيث جرت جميع مباريات المنافسة.

كان التنظيم القطري رائعا بكل المقاييس، تجلى في حفل الافتتاح الذي تليت فيه لأول مرة آيات بيّنات من القرآن العربي الفصيح، لتتوالى المفاجآت السارّة التي صاحبت كل أطوار المونديال حتى حفل اختتامه وتتويج الفريق الفائز الذي احتُفِي به في كرنفال شعبي كبير نظمته له الدولة المستضيفة في سابقة لم تشهدها أي نسخة سابقة.

وكانت مفاجأة هذا المونديال، ليس فقط بالنسبة للعرب، وإنما للعالم، المسيرة المثيرة والحماسية والتاريخية للمنتخب المغربي الذي كتب أجمل قصة ستبقى من روائع هذا المونديال، تُلهم ملايين الشباب في العالم العربي والقارّة الأفريقية، بوصفه أول فريق وطني من دولة عربية وأفريقية يصل إلى المربع الذهبي في أكبر محفل دولي لأشهر لعبة شعبية في العالم.

لم يكن مونديال قطر مجرّد أكبر احتفاء بأشهر رياضة في العالم، وإنما كان أيضاً محفلاً دولياً للقيم، قيم الأخلاق الرياضية العالية التي جسّدها كبار اللاعبين فوق عشب الملاعب، وقيم التسامح الكبير الذي شهدته المدرّجات، وقيم الأسرة التي اختزلتها أمهات اللاعبين المغاربة، وقيم الكرم العربي الذي ترجمته قطر في فتح ذراعيها لكل المشجّعين من كل أنحاء العالم، وستبقى هذه النسخة فريدة من نوعها لم يسجّل فيها أي حادث، أو يقع في مبارياتها ما يعكّر صفو ملايين المشجّعين الذين حضروا لمشاهدتها ومليارات المتابعين لها عبر العالم.

لقد اعتدنا أن يقول رئيس “فيفا” في بداية كل بطولة كأس عالم شيئاً مثل “ستكون هذه أفضل بطولة على الإطلاق”، وهذا بالضبط ما قاله رئيس “فيفا”، جياني إنفانتينو، عشية انطلاق النسخة القطرية من كأس العالم، وثمّة شيء واضح يمكن توقعه، ففي غضون الأعوام المقبلة، وكلما ابتعدنا زمنياً عن هذه النسخة، سيتذكّر العالم أنها كانت فعلاً الأفضل على الإطلاق.

ويكفي فقط أن نتذكّرها كونها المناسبة العالمية الكبرى التي نجحت، بفضل كل ما سبق، في أن تُنسي العالم سنتين من مآسي جائحة كورونا، وتُنسي شعوبه مؤقتاً الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على حياتهم اليومية في كل مكان. لكن زمن الفرحة، مع الأسف، يبقى قصيراً، مجرّد لحظات مسروقة، سرعان ما سيستيقظ العالم وشعوبه على واقعهم الذي لا يرتفع، واقع الحروب والصراعات والأزمات.

مقالات ذات صلة