لا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي نُريد

مروان اميل طوباسي

حين تتحقق الإرادة وتتغير الموازين ولو بشكل نسبي ولا يعتقد البعض انه هو المستهدف فقط دون غيره ، حينها لا يَعُد فكر الحنين للماضي أداة قهرية يتم التمسك بها ، بل نشيداً حماسياً وطنياً يُذكر الشعوب كافة بالولاء لقضايا حرياتهم هُم التي يعيشونها وللقضية الفلسطينية التي حضنتها مبادئهم وقيم الإنسانية العادلة التي غيبها الغرب الأستعماري البغيض ، فالشعوب تحتاج إلى التضامن بالاتجاهين ويمكنها الأنتصار وفق قانون الوحدة والوعي الجمعي من المصير المشترك ورفض الظلم والظلامية .

لقد توشحوا جميعهم بالكوفية وأنشدوا “موطني وبلادي وفدائي” ، وهتفوا باسم كل الأطفال “فلسطين حرة” ، وحملوا أعلام فلسطين تخفق في سماء كل المدن وعواصم العالم حتى في بروكسل مقر الاتحاد الاوروبي صاحب ازدواجية المعايير وأمام تمثال الحرية الذي سرقوا بالبيت الأبيض معناه غصباً حين لطخَت سُحب دخان قنابلهم الأسود بياضه وهم منحازون ، لكن الى حين لأن شوارعهم يملؤها المتظاهرين هنالك ضد سياسات الظلم التي اعتادتها ادارتهم دون أخلاق .

لقد خرجت الأفواج من الشعوب معلنةً أن اللعنة على الأحتلال والأستيطان والأحلال القسري ولتحيا القدس عربية . اُستبيحت الشتائم لكل غاصبٍ وقاهرٍ للشعوب يحمل ثقافة الأستعمار والأضطهاد والاستغلال والعنصرية البغيضة من الغرب والعجم وغيرهم ، وأرتقى الشهداء إلى مراتب الأنبياء وما زالوا ، وأصبح الجميع من الشعوب يتحدث لغة الحرية رغم فداحة الثمن المسفوك من دماء العاشقين لوطنٍ حُر وشعبٌ سعيد .

لقد زُلزِل كيان دولة الأحتلال الذي ساده الخلاف والانشقاق منذ عام مضى ، وانهزم دون عادة ولو لحين في وطن ليس لنا نحن سواه ، كما وأمام ذاته وامام الشعوب قاطبة فيما كان يدعيه من شعارات زائفة تقول بالمساواة والديمقراطية التي احتكرت هي فقط لقوم منهم على حساب فوقية ونظام عنصري ضد أصحاب الأرض الإصلانيين . وسقط قناعهم الزائف أمام المتظاهرين والمتضامنين من الشعوب والأصدقاء مع كل شعبنا وهويته الوطنية المستهدفة ، حتى وامام النخب بالغرب صاحبة انصاف المواقف بافعال حرب المستشفيات وابادة الأطفال وقطع الماء والكهرباء والدواء واسقاط الأطنان من القنابل التي فاقت بنسبتها وزمنها القصير العدوان على فيتنام ، كما وامام اشكال تضامن وكفاح دولي انهارت على افعال فظائعهم من كل حدبٍ وصوب كما بعدها من كل ركام بيت هُدم بفعل حقد أعمى لا يرى سوى الذات والوعد الالهي المزعوم ، حتى وصلوا هم لهدنة يجب أن تطول بمسوؤلية من تبقى له ضمير من هذا العالم وبفعل ضغط الأصدقاء والأشقاء ليتوقف العدوان والقتل والتدمير واعتداء المستوطنين بحق البشر والشجر ، ويتحقق بعدها سلام الشعوب في حقوقها .

لحظات تاريخية يُسطرها الفلسطيني بوحدته في غزة هاشم وبالضفة والقدّس والداخل الأصيل درساً للشعوب أن تحرروا يا أبناء الأرض ، ووحدوا صفوفكم ، ولتعلو كلمة الحق بينكم ، فالحق يجعلكم احراراً .

لقد بدى شبح الهزيمة واهناً شائخاً منكمشاً ، والأكتاف الخانعة سابقا قد انتصبت هاماتها أمام لعنة هزائم سابقة قد بَطُل سحرها بعد أن ساد لبعض الوقت من الزمن ، لتصبح فلسطين شاهدةً على الانتصارات العربية المؤجلة ، ولم يعد الأستقلال من نسج الخيال ، كما ولم يعد ممكنا احتكار حقيقة الأحداث ، بل قصة انتصار قد تطول شيئاً لكنها ستأتي ويتوق إلى روايتها الجميع لأبنائه بعد حين .

لم تظهر فلسطين أشد قرباً من الآن ، بل كان وقع خطاها على مدار عقود من النضال يقترب شيئا فشيء حتى تظن اليوم أن لا بحرَ ولا جبل قد يحول دون رؤيتها ، وأن قول الخالد أبو عمار حول رؤية الضؤ في نهاية النفق ، قادم لا محالة .

وحتى نَراها ونَرى الضؤ أقرب ، على شعبنا ومكوناته كافة أن يلتقون بالبيت والعنوان الفلسطيني الواحد والوحيد لتحقيق مصلحة شعبنا في تقرير المصير ، ويتفق الكُل الوطني على المشترك من القواسم بالقرار الحُر المستقل لحماية شعبنا وصون أرواحه ولنُحقق معه في كل مكان ايجاد الافق السياسي لإنجاز الأستقلال الوطني الديمقراطي في وطن كل المحافظات دون انقسام قد أضر بنا الكثير . وهو ما أرتقى من أجله الشهداء في مسيرة تحررنا الوطني الذي غُيبت افواج من أسراَنا على مدار عقود طويلة من الزمن لأجله والذين ننتظر أن يلتقون بشمس حريتهم بالقريب .

فلم يكن مصادفةً أن الحجر الذي أُلقي في القُدس كعاصمة فلسطين التي تصدح بها اصوات وأشكال المقاومة التي اقرتها شرعية القوانين الدولية لشعب يخضع للقهر والعدوان ، قد ألتقفه عربي أو أجنبي آخر ليرميه بوجه عقلية استغلال اخرى أو هزيمةٍ أخرى حتى لا تأتي ممن هزمتهم ذاتهم ويكون الأنتصار الآن بوقف جريمة الإبادة وذبح شعبنا الجاري الآن أينما كان . لكن أن مَن يدخل من باب الجرائم سيخرج من باب الإنتقام والعقاب ودفع الثمن ان طال الزمن أو قرب ، فهذا ما تعلمناه من دروس التاريخ .

فهنالك فقط مسار وحيد للأمن والأستقرار لكل المنطقة والشعوب ان ارادت السلام يتمثل بإنهاء الأحتلال والاستيطان والقهر والعدوان ، والاقرار بحقوق الشعوب في حريتها وتقرير المصير وحقها في العيش بكرامة وبأمن وسلام دون أضطهاد كلٌ في دولةٍ سيدة نفسها على الأرض والسماء .
وهنا أكرر ما قاله كارل ماركس أحد فلاسفة ومفكرين العصر الحديث ، “أن مَن يضطهدُ شعباً اَخر لا يمكن أن يكون هو نفسهُ حراً “.

أن أحتياجات الشعوب واطفال الجيل القادم وحتى جيلنا نحنُ للحرية والسلام والديمقراطية والتقدم الأجتماعي والثقافي الإنساني بعيدا عن سفك الدماء والحروب لا يُمكن تجاهلها أو القفز عنها مهما طال الزمن ومهما أشتدت الفظائع ، فهذه حتمية مسار التاريخ وتطوره الذي لا يقف عند مرحلة محددة ، حيث الثابت الوحيد هو المُتغير نحو إسقاط الأستعمار والفصل العنصري والفوقية والوصول الى الحرية وسلام حقيقي وفق العدالة للشعوب ، فَنَحنُ وكما قال راحلنا درويش ، نُحِب الحَياة إِذا ما استَطعنا إِليها سَبيلا ، ونفتَح باب الحديقَة كي يخرج الياسمِين إِلى الطرقاتِ نهاراً جميلاَ .
فليس بعد اليوم مكاناً سوى الأنتصار للحياة ولقيمٍ غيبها الأستعمار قسرا ، والتي شكلت على مدار التاريخ مفاهيم الإنسانية والعدالة والحرية والديمقراطية للشعوب وتقدمها بعيدا عن صيغ افرزتها الغيبيات الجامدة للشد العكسي ، فيأتي حينها ذلك اليوم الذي نُريد .

مقالات ذات صلة