الأردن وغياب «المسؤولية الأدبية»

بسام البدارين

حرير- طبعاً ودوماً، الالتزام الأخلاقي بمبدأ مستقر في المسار الديمقراطي والبرلماني تمثّله قاعدة « المسؤولية الأدبية «، مطلوب بحد ذاته بصورة ملحة لأنه يعبّر عن الطريقة الوحيدة التي تُقنع الرأي العام بوجود منظومة أخلاقية في العلاقة مع الحكومة، ورموزها، والسلطة التنفيذية ،وتعبيراتها .

دوماً وطبعاً أيضاً يمكن القول : الدولة هي الطرف المستفيد عندما يتعلق الأمر بمثل ذلك الالتزام الأدبي خصوصاً وأن خسارة أي وزير أو موظف بيروقراطي كبير لوظيفته لا تقارن في بعض الأحيان بمنسوب الخسائر التي يتعرض لها الناس.

لكن عند ثبوت حصول تقصير وإهمال إداري .

الحكومة نفسها توحي بجديتها والتزامها عندما تطبق معايير ديناميكية لها علاقة بإعفاء المسؤول الكبير إذا ما انتهى التقصير والإهمال بخسائر لا يمكن تعويضها وسط مجتمع نبيل وطيب يعلي من قيمة الروح البشرية وفي بلد مثل الاردن نظامه السياسي ومؤسسات الإدارة والحكم فيه هي المعبّر الحقيقي الوحيد عن هوية الشعب السياسية والوطنية .

نقول ذلك ونحن نراقب الجدل الذي رافق حوادث الاختناق بمدافئ الغاز ونقاش المواصفات والمقاييس بعد الإعلان عن 14 حالة وفاة جراء استخدام خاطئ .
استقالة أي وزير بسبب ضعف بنية المنظومة الإدارية التي تعمل معه حادث طبيعي في البلدان التي تُطّق المعايير الديمقراطية .

تلك النزعة التي تقول في فلسفة الإدارة العليا بأن الخضوع لمطلب جماهيري عنوانه استقالة وزراء وموظفين كبار يُلحق ضرراً بمنظومة السيطرة ليس أكثر من ادّعاء ومزاعم يمكن تفنيدها بالإشارة إلى العكس تماماً حيث إن استقالة المسؤول من أجل الشعب وتفاعلاً مع آلامه ومعاناته هي التي توفر المظلة والحماية لمنظومة الدولة وتُعلي من قيمة المؤسسات عند الناس والمواطنين .

لا مبرر للخوف إطلاقاً من فكرة الاستقالة الأدبية للوزراء.

هذه المحطة تحديداً يجب في الحالة السياسية والبرلمانية الأردنية نقلها من مستوى السيادي إلى منسوب الإجراء التقليدي الطبيعي لأن الممارسات الديمقراطية الأصلية والمتعارف عليها تستقيل فيها وضمن تقاليدها حكومات بأكملها لأسباب أقل بكثير من حصول خطأ أدى إلى حالات وفاة .

استقالة وزير ما من الحكومة بعيداً عن الضجيج الشعبوي، خطوة ينبغي أن تصبح من التقاليد المألوفة عندما يصبح الحدث كلفته مرتفعة اجتماعياً.

وهي خطوة لا تثير هلع المؤسسات الرسمية الوطنية ليس فقط لأن ترسيخ قيمتها حافز جوهري للأداء الأفضل والحرص على التفاصيل، ولكن لأنه وبكل بساطة لا يوجد وزير أو مسؤول كبير لا يمكن تعويضه حيث الكفاءات متكدسة وموجودة في كل القطاعات ونحمد الله على ذلك في بلد النشامى .

لا ينتخب الوزراء في الأردن واختيارهم أو ترحيلهم أقرب إلى سر نووي غير مفهوم .

ما يعرفه العامة : الحكومات تتشكل في إطار محاصصات مناطقية وأحياناً عشائرية وعلى أساس الاختيار من مكونات ، الأمر الذي يعني بسرعة أن خروج أي وزير لأنه خذل إدارياً المجتمع الذي يمثله في المحاصصة أمر يتوجب تقمصه كنهاية طبيعية حيث لا يوجد أي وزير لا في الماضي ولا في الحاضر عقمت الأردنيات عن إنجاب مثيل له .

لكن والحق يقال: الالتزام الأخلاقي الأدبي بتطبيق معايير المسؤولية الأدبية خصوصاً عند خسارة أرواح من فقراء المجتمع لا ينبغي التمسك به إلا ضمن شروط، وقيود معقولة ،ومنطقية ووطنية .

سيناريو المسؤولية الأخلاقية يطبق ضمن محددات قد يكون أبرزها وأولها ألا تتحول اسقالة الوزراء إلى موجة يركبها الشعبويون لا من النواب ولا من غيرهم وأن تكون الأسباب منطقية وواقعية وبعد إجراء كل إجراءات التدقيق والتحقيق المتاحة ضمن الآليات القانونية والدستورية .

صحيح أن استقالة الوزير – أي وزير- في أي حدث تكون كلفته البشرية كبيرة، محطة مُلحّة وأساسية تكمل النصاب الديمقراطي .

لكن صحيح في المقابل أن هذه المحطة يتوجب عزلها عن سياق الخطابات الشعبوية والتزامها بمعايير دقيقة، فكرتها انتظار التدقيق والتحقيقات وفهم الأسباب والموجبات حتى لا يتحول خروج الوزراء إلى موضة أو موجة يركبها مغامر أو سياسي مراهق أو شعبوي طامح .

من يطالبون باسم الشعب باستقالة الوزير في أي ظرف ،عليهم تقديم الأدلة والقرائن المقنعة بسبب وجود سلطات قضائية مستقلة واجبها تحديد المسؤوليات مع الأخذ المسبق بالاعتبار تجنب الظلم والتسرع وتجنب الخصومات الناتجة عن الشخصنة في بعض الأحيان .

وضع معايير على مستوى منظومة الدولة المركزية لتلك اللحظة التي ينبغي أن يغادر فيها الوظيفة مسؤول ما يعفي الدولة والشعب معاً من دعوات الاستقالة الدعائية على منصات التواصل .

عمليات تقييم الأداء للطاقم الوزاري ينبغي ألا تقف عند التواجد في الميدان فقط ،فالحلقات الإدارية التي تتبع الوزير لا بد من الغرق في مراقبة أداء مفاصلها لأن ما أثبتته بعض الأحداث المفجعة في الحالة المحلية هو أنّ التقصير الإداري مثل الفقر الحاد والبطالة يفتك بالمواطنين أحيانا .

الاستقالة ليست مهمة لكن «ضجر الناس» هو الأخطر.

مقالات ذات صلة