
تشيني: عرّاب الاغتيالات والتعذيب وتخريب الأوطان
مالك التريكي
حرير- كان ريتشارد تشيني، الذي توفي الإثنين، هو الحاكم الفعلي للولايات المتحدة معظمَ رئاسة جورج بوش الابن. فلم يكن بوش يقوى على تتبع الإجراءات والخوض في التفاصيل والتعقيدات، وإنما كان مهتما برؤية النتائج وكفى. ولهذا فوض أغلب الصلاحيات الإجرائية لصديق العائلة ذي الخبرة الإدارية والسياسية الموثوقة. فكان تشيني هو الذي تَولَّى كِبْرَ كوارث ذلك العهد المظلم من الضلال الإيديولوجي والتهور العسكري، بل والجنوح الإجرامي الذي وثقه صحافيون أمريكيون ذوو مصداقية عالية مثل سيمور هيرش وبوب وودورد.
وقد بين الصحافي الأمريكي رون سوسكيند في كتابه «عقيدة الواحد بالمائة» أن تشيني وضع، بعد أيام من هجمات 11 سبتمبر 2001، مبدأ إرشاديا مفاده أنه إذا كان ثمة احتمال، ولو بنسبة واحد بالمائة فقط، بأن يحصل الإرهابيون على سلاح دمار شامل، فإن على الولايات المتحدة أن تسارع إلى التحرك على أساس أن هذا الاحتمال هو يقين ثابت. والمعنى أنه لا ضرورة لتوفر الدليل، بل إن مجرد الشبهة ذريعة تفي بالغرض.
والأخذ بالشبهة إنما يفتح المجال واسعا للانتهاكات والغدر والإجرام. فقد تمكن ضابط الاستخبارات العسكرية الأمريكي السابق وين مادسن من التحقق من صحة المعلومات التي كشفها سيمور هيرش عن وجود وحدة سرية من وحدات سي. اي. ايه، معروفة باسم «جناح الاغتيالات»، كانت تتحرك من عام 2001 إلى عام 2008 تحت إمرة تشيني شخصيا. وأعرب مادسن عن يقينه بأن تشيني هو الذي أصدر الأمر باغتيال زعماء أجانب كان بينهم السوداني جون قرنق، واللبناني رفيق الحريري! وكتب مادسن عام 2004 و2005 أن وحدة سي. اي. ايه. المرتبطة بالبيت الأبيض هذه هي المسؤولة عن تنسيق عملية اغتيال مسؤول جهاز الأمن في ميليشيا «القوات اللبنانية» إيلي حبيقة في يناير 2002 وعملية اغتيال رفيق الحريري في فبراير 2005، وأن الأمر تم عبر تنسيق وثيق مع وحدة إسرائيلية مماثلة كان يديرها مكتب رئيس الوزراء أرييل شارون.
ومن المعروف أن إسرائيل كانت المستفيد الأول من اغتيال حبيقة، نظرا إلى أنه كان يستعد، قبيل اغتياله، للتوجه إلى بلجيكا للإدلاء بإفادة بشأن دور شارون في مذابح صبرا وشاتيلا، وذلك في إطار القضية التي رفعت هناك ضد شارون بموجب قانون بلجيكي كان يتيح (قبل إلغائه) مقاضاة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. أما اغتيال الحريري فإن مادسن يقول إن الغاية منه كانت توفير المناخ الملائم لزعزعة استقرار لبنان، والانقضاض على سوريا، وإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في شمال لبنان والتخلص من حركات المقاومة التي كانت تؤرق شارون، وعلى رأسها «حزب الله».
وكان الصحافي الشهير بوب وودورد هو أول من كشف في «واشنطن بوست» في يناير 2002 وجود خطط أمريكية لاغتيال زعماء في مختلف أنحاء العالم، ثم تمكن مادسن بعد ذلك من تحديد أسماء أول الضحايا الذين اغتيلوا بين نوفمبر 2001 ويناير 2002. واللافت أن مادسن كشف منذ 11 مارس 2005 (أي بعد أقل من شهر من اغتيال الحريري) أن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني نفذ بـ«تفويض أمريكي»، مما حمل وزارة الخارجية الأمريكية على أن تنفي بشدة يوم 13 مايو 2005 «المزاعم الكاذبة» عن تورط أمريكي في اغتيال الحريري. فردّ مادسن من غد بأنه واثق كل الثقة من صحة معلوماته التي استقاها من مصادره الأمريكية والفرنسية والبلجيكية واللبنانية.
ولأن «مآثر» تشيني لا تنحصر في «الحرب على الإرهاب» واغتيال الساسة الأجانب، فإن أوباما قال عام 2009، في سياق الطرائف التي جرت العادة أن يوشّي بها الرئيس خطابه في حفل العشاء السنوي الذي تقيمه على شرفه جمعية مراسلي البيت الأبيض، إن تشيني لم يتمكن من حضور الحفل لأنه منكب على تأليف كتاب من المحتمل أن يكون عنوانه «كيفية إطلاق الرصاص على الأصدقاء واستجواب المعتقلين». وقد فهم الجميع أن الإشارة الأولى هي إلى رحلة الصيد التي أصاب فيها تشيني صديقه أوائل عام 2006، مما استدعى نقله إلى المستشفى. أما الثانية فتتعلق بما اشتهر عن تشيني من تحمس لممارسات التعذيب التي شوهت سمعة أمريكا والتي كانت تسمى باسم بيروقراطي ملطّف هو «الاستجواب المعزَّز».
تزعّم تشيني تخريب العراق مرتين: الأولى عام 1991 لما كان وزيرا للدفاع في إدارة بوش الأب، والثانية عام 2003 لما كانت شبهة (أي كذبة) أسلحة الدمار كافية للغزو والاحتلال تحقيقا لمآرب صهيونية رُسمت خطتها «الديمقراطية» منذ عام 1996.



