احتجاجات جيل Z: كيف تحولت من السلمية إلى العنف؟

بلال التليدي

حرير- ثمة أسئلة عميقة تطرح على أسباب الاحتجاجات التي أطلقها شباب جيل (زد) إشارة إلى جيل الألفية الثالثة، واجتاحت مدن المغرب وبعض مراكزه القروية. أسئلة تتعلق بخصائص هذا الحراك وهويته وأهدافه وأفقه وعناصر التشابه بينه وبين حراك 20 فبراير، وكيف تحول الاحتجاج من طابعه السلمي إلى العنف.

المعطيات التي قدمها هذا الجيل من الشباب عن أنفسهم تقول بأن الأمر يتعلق بمجموعة شبابية أخرجتها المظلومية الاجتماعية إلى الشارع للاحتجاج خاصة على أوضاع التعليم والصحة، وأنها ترمي لحراك سلمي، لا يستهدف السلطة، ولا يمس بالأمن أو الاستقرار، ولا يدعو للثورة على الملك، وأن حراكها لا علاقة له بالأحزاب، وأن مبادرتها للخروج للشارع جاء بعد اقتناعها بأن مؤسسات الوساطة الاجتماعية (الأحزاب والنقابات) التي دخلت في لعبة الريع، وتخلت عن الدفاع عن المطالب المشروعة لهذا الجيل.

تجنبت هذه المجموعة وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية في بناء تحركها وتنظيم حراكها، والتمست منصات مغلقة (DISCORT) يصعب اختراقها، فمثلت بذلك تحديا للأجهزة الأمنية التي لم تكن تعرف الشيء الكثير عن هذه المجموعة وأهدافها ومدى صلتها بأي جهة داخلية أم خارجية، ولذلك، لم يكن كافيا بالنسبة إلى السلطة السياسية والأمنية الهوية الاجتماعية التي قدمها الشباب عن أنفسهم لكي تثبت عدم وجود عامل خارجي، خاصة وأن المغرب يعرف تحديات جدية وطنيا وإقليميا ودوليا. فعلى المستوى الداخلي، ثمة احتقان اجتماعي نتج عن تراكم الأوضاع، وذلك منذ إعفاء رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران، مرورا بتأثيرات جائحة كورونا، وما جرته من ارتفاع نسب التضخم وبالتالي ارتفاع الأسعار، وانتهاء بسياسات حكومة أخنوش التي مضت بشكل سريع في خوصصة قطاعي التعليم والصحة، وكرست ارتفاع نسب البطالة التي تعدت سقف 13,6 في المائة، لاسيما في صفوف الشباب ما بين 15 و 35 سنة (حوالي 50 في المائة مع وجود أكثر من 300 ألف من بطالة أصحاب الشواهد الجامعية) وتعمقت حدة الوضعية بعد بروز مظاهر عدة لتضارب المصالح وتوزيع الصفقات والدعم العمومي على محظوظين من أحزاب التحالف العمومي في قطاعات حيوية تتعلق بقوت المغاربة وعلاجهم. التحدي الإقليمي يبرزه المنعطف الحاسم الذي دخلته قضية الصحراء المغربية، إذ سينعقد اجتماع مجلس الأمن في شهر أكتوبر، ويعول المغرب بناء على الزخم الدبلوماسي والسياسي الذي حققه أن يشكل الفرصة الأخيرة لإنهاء النزاع وتأكيد سيادة المغرب على صحرائه، ويلتمس خصوم الوحدة الترابية دلائل واقعية يطعنون بها في مصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي، في حين يدفع السياق الدولي دفعا في سياق عدم الاستقرار، وتشجيع التناقضات الاجتماعية والسياسية والإثنية حتى تضعف مقومات الوحدة الوطنية، ويصير من السهل رهن القرار السيادي بيد الدول المهيمنة.

الكثيرون تساءلوا عن سبب الدفع بالمقاربة الأمنية وإهمال المقاربة السياسية، ولماذا تركت موجة هذه الاحتجاجات لتأخذ مدى أوسع في كل مدن المغرب، وكيف تحولت بسرعة من الإطار السلمي إلى خط التخريب والعنف واستهداف الممتلكات العمومية والخاصة، وهل ثمة عامل خارجي وراء هذه الأحداث؟

من الواضح جدا أن خطاب وزارة الداخلية، وخطاب الأغلبية الحكومية، ومختلف تعبيرات الإعلام العمومي تجنب تخوين الحراك، وأقر بضرورة اعتماد مقاربة الاستماع والإنصات لهموم الشباب، والراجح أن وحدة الخطاب على هذا المستوى مرجعه وجود قناعة لدى صانع القرار السياسي بأن هناك أسبابا موضوعية تبرر هذا الاحتقان، بغض النظر عن سؤال التسييس والافتعال والعامل الأجنبي، وأن الأولى، التفكير في معالجة المشكلة بدل الهروب إلى الأمام والبحث عن جواب عنها خارج إطارها الموضوعي، فقد سبق أن تبنت الدولة مقاربة سياسية في التعامل مع الاحتقان الاجتماعي في حراك 20 فبراير، وكان لمقاربتها نتائج إيجابية أنهت الحراك، فما الداعي لتغيير هذه المقاربة التي أثبتت فعاليتها؟

في الربيع العربي، وتحديدا عند لحظة 20 فبراير كان السياق الإقليمي ضاغطا، وكانت المؤشرات تؤكد بأن بواعث الحراك لها علاقة بالعدوى الإقليمية أكثر من انطلاقها بشكل أساسي من الداخل، لكن مع ذلك اتجه فهم الفاعل السياسي إلى اعتبار معطيين أساسيين في مدخلاته التشخيصية، معطى وجود وضع اقتصادي واجتماعي محتقن، ومعطى وجود عدوى إقليمية يصعب مقاومتها، فكانت المقاربة هي دستور 2011، وما تلاها من استحقاقات سياسية وانتخابية، وكان الخيار أن دعم وصول الإسلاميين إلى مربع التدبير الحكومي وذلك على شاكلة ما عرفته السياقات الإقليمية، وتكيفا مع السياق الدولي وخاصة الأمريكي الذي كان يدعم هذا الخيار.

حراك جيل (زد) وضع الفاعل السياسي أمام ثلاثة معطيات مختلفة، أولها أن الوضع الاجتماعي صار أسوأ بكثير مما كان عليه في حراك 20 فبراير. والثاني، أن تحدي حل ملف الوحدة الترابية، يدفع السلطة السياسية دفعا إلى نبذ خيار المواجهة وتبني المقاربة السياسية مع الحذر من تدخل المعامل الخارجي، وتأكيد الحاجة إلى ترصيص الجبهة الوطنية ومواجهة مخططات خصوم الوحدة الترابية، والثالث أن الشروط السياسية والدولية والإقليمية لم تعد تقبل أن يشكل الإسلاميون بديلا في السياسة، في الوقت الذي لا يوجد غيرهم كرهان للتهدئة، ولذلك، سارع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بعد تحول الحراك إلى موجة عنف لتوجيه خطاب لقادة المجموعات الشبابية المحتجة بوقف الاحتجاجات والاكتفاء بالرسالة التي بعثتها.

ثمة تحليلات عديدة لتحول طبيعة الحراك إلى العنف، بعضها ألقى باللائمة على المقاربة الأمنية التي بالغت في استفزاز الشباب، والبعض ركز على خواء الخلفية الفكرية والقيمية لعدد من هؤلاء الشباب المحتج، والبعض الآخر، ألقى باللائمة على دخول مجموعات أخرى منبوذة ومهمشة وهيمنتها على اتجاه الاحتجاجات وعدم القدرة على ضبط وتنسيق موجات الاحتجاج التي اجتاحت مدن وقرى المغرب.

استقراء أشكال الاحتجاجات، يرجع التحول إلى ضعف البنية التنظيمية التي كانت تراهن على العفوية، وعدم وجود بنية وخطاب قياديين موجهين، وأن الحراك كان مفتوحا، استثمره الذين كانوا يتربصون الفرصة لتنفيذ جرائم واختلاس محلات والهجوم على المؤسسات المالية (بنوك، بريد بنك) أو أسواق كبرى.

لحد الآن، الخطاب الرسمي الوحيد الذي برز هو خطاب وزارة الداخلية الذي قدم إحصاء للاستهدافات التي توجهت للقوات العمومية ولسياراتها، وللمؤسسات العمومية والخاصة، مع الحرص على تأكيد تعاملها المهني والقانوني والحقوقي مع هذه الاحتجاجات.

تحليل الخطاب يبين بأن السياق الوطني والإقليمي والدولي كان ضاغطا ومؤثرا، وأن الدولة لا تريد أن يصير هذا الحراك سببا في إفقادها لعدد من المكتسبات التي جنتها في السنوات الأخيرة، ولا مؤثرا على عدد من الاستحقاقات التي تواجهها، وأنها على وعيها بأن المقاربة لا بد أن تكون سياسية، تأمل أن يتم التحكم في الاحتجاج من خلال عناصر المجموعات الشبابية التي أطلقت الحراك، وأن إجراءات سياسية ظهرت الحاجة إليها بقراءة موجات الاحتجاج سيتم اتخاذها في الأيام القلية القادمة، وربما ستكون حاسمة.

مقالات ذات صلة