الواقعية والرمزية وحل الدولتين

أمير المفرجي

حرير- جسد القرار الذي اتخذته فرنسا بالاعتراف بفلسطين، ترحيبا عربيا وعالميا، نظرا للأهمية البالغة لهذا التحدي السياسي والتاريخي، باعتباره خطوة فاصلة وتجسيدا فكريا واقعيا وعقلانيا، لرمز الأزمة، بعد عقود من التناقض والتغاضي للوصول لحل، يضمن الحقوق التاريخية لجميع شعوب المنطقة، والوصول إلى سلام عادل في الشرق الأوسط.

لا شك أن القضية الفلسطينية، تحمل رمزية عميقة لدى العديد من بلدان وشعوب العالم، حيث تجاوزت هذه الرمزية، الحدود الجغرافية للعالم العربي والإسلامي، بسبب العوامل التاريخية والإنسانية التي تحيط بها، كونها ليست مجرد رمز، بل هي جزء من الواقع الإقليمي والعالمي، ما جعلها تتلاءم مع مفهوم الواقعية السياسية، للإعلان الفرنسي في الأمم المتحدة، وأهميته في مجال العلاقات الدولية، عبر تبني سياسات واقعية، لإيجاد الحلول بالتوافق مع المصالح التاريخية العليا لفرنسا، الذي يفرضها الواقع السياسي في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن أهمية هذا القرار وإعلانه في منبر الأمم المتحدة، تتمثل في الاعتراف بخطوات ملموسة، ولا رجعة فيها نحو تطبيق حل الدولتين، والالتزام بدعم دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ثمة من يرى في طبيعته وتوقيته، انه لا أكثر من غطاء دبلوماسي لما حصل ويحصل من دمار في مأساة غزة، من دون معرفة طبيعة وتميز سياسة فرنسا العربية، التي غرسها وبدأها الجنرال ديغول.

ولفهم القرار الفرنسي ومعرفة أسبابه، وجب الرجوع إلى قراءة تاريخية للعلاقة الفرنسية التاريخية مع العالم العربي والإسلامي، وبمعنى آخر قراءة موضوعية للسياسة الديغولية في الشرق الأوسط، وفك رموز استمرارها، على الرغم من اختلاف الأنظمة والأحزاب، التي رسمت السياسة الفرنسية مع دول العالم.

إن تعميق مفهوم هذه العلاقة مع قضايا العرب المصيرية، من خلال العودة إلى فكرة الجنرال ديغول للمفهوم السياسي والتاريخي، ينبع من أهمية اعتماد مبدأ احترام المصالح المتبادلة في العلاقات بين الدول، والابتعاد عن المشاعر أو العلاقات الشخصية القائمة على صراع الحضارات، وفقاً لما يخدم الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، ويضمن لها في النهاية أن تكون داعمة وصديقة لجميع شعوب المنطقة، من دون استثناء للوصول إلى حالة من التوازن، وهذا ما يدفعنا إلى تفسير مقولة الجنرال ديغول «نحو الشرق المُعقّد» التي مثلت آنذاك تحديا فكرياً لرصد العلاقة مع العالم العربي، وفهم الواقع الإقليمي المُعقد للوصول إلى إيجاد الحلول لأزمته. لا شك أن الموقف الفرنسي في هذا الجزء المهم من العالم، يتوافق مع ثقله الاقتصادي والبشري والحضاري، حيث تميزت السياسة الفرنسية بتأثيرها في المنطقة، التي تتفاعل مع تفاعلاتها وتتأثر بتأثيراتها، ما يعطي لسياستها الواقعية الدور المؤثر المهم، وعامل الاستقرار للمنطقة المتأثرة بالأجندات الإقليمية.

من هنا تكمن أهمية رمزية الاستراتيجية الفرنسية في التميز عن القوى العظمى، من خلال تلائمها مع الواقع التي تفرضه الساحة الإقليمية والدولية، نتيجة للصعوبات التي واجهت الدول الفاعلة الأخرى، نتيجة ابتعادها وتجاهلها للواقع الإقليمي وانعدام مصداقيتها في الشرق الأوسط بعد غزو العراق، ما دفع الرؤساء الفرنسيين منذ وصول الجنرال ديغول، ونهاية بالرئيس الحالي الاستمرار بإدامة الدور المحوري لفرنسا، من خلال إثبات قدرة الدبلوماسية الفرنسية على معالجة أزماتها، والعمل على رسم سياسة فرنسا في الشرق الأوسط، على الرغم من ثقل كفة اليمين المتطرف الفرنسي، في ميزان العلاقة الداخلية والخارجية في عدائه للعالم العربي، من خلال الكيل بمكيالين لما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، في محاولة للتأثير على موقف فرنسا التاريخي الثابت من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، المتمثل بحل الدولتين، وهو أحد ركائز الدبلوماسية الفرنسية التاريخية الثابتة في علاقاتها مع العالم العربي. ما يعني أن الرمزية الواقعية التي تحملها هذه السياسة مع العالم العربي أقوى بكثير من اختلاف توجهات الأحزاب وساكني قصر الإليزيه.

مقالات ذات صلة