الصراع على إدارة الانقسام اللبناني

وسام سعادة

حرير- يتجاوز الانقسام حول «حزب الله» وسلاحه كل انقسام لبناني سابق عليه أو معاصر له.

يزيد هذا الانقسام كلما تناهى الى اللبنانيين أن قوة «حزب الله» آخذة في الاشتداد أو هي موشكة على التلاشي.

كل تقدير لمتغير نوعي في حجم هذه القوة يزيد الانقسام ضراوة. زادت أو نقصت القوة. شطحت أم انكمشت. تفشى الحديث عن بدء تحللها أو استعيد الحديث عن إعادة تدفق السلاح والمال نحوها.

ما يصح حول السلاح ككل، يصح كذلك الأمر حول السرديات، وفي المركز منها الموقف من تركة الراحل السيد حسن نصر الله ورمزيته وكيف ينبغي للدولة اللبنانية أن تتصرف حيال ذكرى اغتياله بما يعادل سلاح الدمار الشامل قبل عام.

فبعد عام على هذا الاغتيال في أوج الأتون والمقتلة وحرب تقويض بنية الحزب المتداخلة مع ما يقترب من حملة تنكيل إثنية ضد جماعة بأسرها، تعرضت جنوباً وبقاعاً وفي الضاحية الجنوبية للتهجير الجماعي ودمرت عشرات الآلاف من وحداتها السكنية، أي بعد عام على تجذير الانقسام الشعوري والعاطفي كما السياسي والهوياتي على هذا النحو، كيف يمكن للسردية الرمزية المقدّرة للدولة اللبنانية أن ترى الى نصر الله وموقعه في الذاكرة الوطنية؟ محرر الجنوب؟ المتغلب على الدولة؟ الاستشرافي في الموقف من خطر التكفيريين في الحرب السورية، أو على النقيض تماما، الواقف الى جانب نظام البراميل والقصف الكيماوي؟ المتضامن مع فلسطينيي غزة عندما أدارت أنظمة المنطقة ظهرها لهم، بل فعلت ذلك حتى شعوب المنطقة، أم المتسبب بجر لبنان إلى كارثة كان هو في طليعة ضحاياها؟ هل يمكن بالفعل أن يصل لبنان الرسمي إلى موقف رسمي حول نصر الله ولو بالحد الأدنى؟ بالشكل الذي يتيح أفراده بسلسلة طوابع بريدية مثلا، وإن حصل فعلى أي أساس؟ وإن لم يكن هذا ممكنا بالنسبة الى الدولة، كيف تكون الدولة ممكنة؟ كيف تكون لها وجهة نظر؟ أم أنه لا حاجة للنظر؟

ما حصل في الأيام الأخيرة من عراضة وكباش رمزي حول إضاءة صخرة الروشة بصورة نصر الله كفيل بأن يردنا الى هنا: الى كون الموقف من نصر الله هو ذروة الانقسام بين اللبنانيين، بحيث أنه لا يمكن لأي كان أن يدعي أن «اللبنانيين جملة موقفهم من السيد كذا وكذا». هذا الموقف يلغي مسبقا إمكانية إكمال القول حول «اللبنانيين جملة». يحكم عليهم بالمفرّق الأبدي. الاكتفاء بأن لكل طائفة شهيدا كبيرا وينبغي التعامل الرمزي المجاملاتي بالمثل لا تنفع إلا عرضا.

في الوقت نفسه يعكس ما حصل عند الروشة مشكلة حقيقية تتصل بكيفية ترجمة قرار نزع السلاح من الحزب.

بشكل مزمن، جنحت التعليلات التي يُردُّ إليها استعصاء حل مشكلة «سلاح حزب الله» إما إلى تصوّر «تدويلي» كامل للمسألة وإما إلى تصوّر «إرادوي».

بموجب التصور الأول، لحظة إيجاد الحل الوافي والناجز لموضوع «السلاح» دولية تكون أو لا تكون، ولا يمكن للمبادرات الداخلية مهما قويت نبرتها واشتد تصميمها واستجمعت من عناصر ضغط أن تستعيض عن هكذا لحظة تدويلية كثيفة وحاسمة، ولا حتى أن تعجّل بها، وإنما كل المطلوب أن تبقى متحينة، ولا تتأخر عنها.

أما التصور الثاني، فيميل الى إعطاء حيز وافر لعناصر التلكؤ والتلبك الداخليين، وإلى اعتبار أن النقص في الجرأة والمجازفة هو الذي سمح للحزب بالتغلب ولا يزال يسمح له بالتحلل من موجبات تطبيق القرار الحكومي الأخير الذي يستوجب تسليم سلاحه إلى الدولة. ما يظهر في الآونة الأخيرة أنه لا يمكن البناء على أي من التصورين لوحده. التصدي لموضوع السلاح ومن يملك قرار الحرب والسلم وكيفية تطبيق سيادة القانون على الأراضي اللبنانية وكيفية استعادة الأرض جنوبا في مقابل إقفال الجبهة بشكل كامل، كل هذا لا يمكن رده الى نقص في الجرأة أو جرعات قوية منها. في الوقت نفسه الوضع يستدعي من الجرأة الكثير، ومن حسن التقدير بعد أكثر، طالما أن الموضوع يرتبط بصاعق تفجيري أهلي حقيقي من جهة، وباحتمال التدحرج نحو تصعيد حربي إسرائيلي جديد وكبير من جهة ثانية. يرتبط ذلك إلى حد كبير بكيفية الموازنة بين اعترافين: الإقرار أولا، بأن كتلة عريضة من الناس، لا سيما في الطائفة الشيعية، لا تزال تنظر الى سردية نصر الله وحزب الله على أنها سرديتها أو سردية صديقة لها، في حين تنظر كتلة عريضة مضادة، لا سيما من غير الشيعة، إلى حزب الله على أنه متسبب أول بالكوارث التي مني بها لبنان. ثم الإقرار ثانيا، بأن نسبية الأحجام المتقابلة هذه لا تلغي أن هناك واقعا لم يعد هو نفسه قبل تفجيرات البايجرز وبعدها، قبل مقتل نصر الله وبعده، قبل الحرب الأخيرة وبعدها. وأن البلد الذي خرج من تلك الحرب ما زال يتعثر الخطو من جهة لأن الانقسام فيه زاد ومن جهة لأن هذا الانقسام لا يمكنه طمس واقعة اختلال موازين القوى الى أبعد حد لصالح إسرائيل. يبقى أنه، وفي زحمة هذه الاعتبارات لا يمكن حل مشكلة سلاح «حزب الله» داخليا فيما «الدولة العميقة» هي الى جانب «حزب الله» أو متداخلة معه.

الحكم الحالي ليس عنده أي خطة لفصل الدولة عن الحزب في الوقت نفسه الذي يراد فيه من نفس الدولة نزع سلاح الحزب.

مقالات ذات صلة