ما الذي تمسكه إسرائيل ضد ترامب؟

مالك التريكي

حرير- المعلومات الحساسة التي كشفها صحافي الاستقصاء الأمريكي ماكس بلومنثال حول الملابسات التي حفت بمقتل زعيم الشباب اليميني تشارلي كيرك كشفت حقيقتين حظيت إحداهما باهتمام واسع بينما لم يكد يلتفت أحد إلى الأخرى. الحقيقة الأولى هي أن «المؤثر» الترامبي، الذي صعد نجمه على مدى الأعوام الأخيرة بفضل الدعم المالي السخي الذي ظلت تقدمه له منظمات اللوبي الصهيوني، قد أخذ يتعرض في الشهور الأخيرة لضغوط بلغت حد الابتزاز منذ أن تغير موقفه من إسرائيل ومن نتنياهو وبدأ يجاهر بما لا يجرؤ على الهمس به إلا القلائل في الولايات المتحدة: أن إسرائيل ممعنة في حرب إبادة وتطهير عرقي غايتها الوحيدة التي لا لبس فيها هي تصحير غزة وإفراغها من كامل شعبها الفلسطيني بالتقتيل والتجويع والتهجير.

ويقول بلومنثال إن مسار كيرك السياسي والتعبوي اللامع كان سيفضي به حتما إلى أن يكون الوريث الأول للإيديولوجيا الترامبية ويصير ذات يوم رئيسا للولايات المتحدة، وإن إخلاصه في اعتناق المسيحية الصهيونية ودعمه الكامل لإسرائيل ودورانه في الفلك السياسي لترامب (حيث يُعتقد أنه كان لكيرك، بسعة تأثيره في الناخبين الشباب، أكبر الفضل في فوز ترامب بالولاية الثانية) كل ذلك لم يكن يعني أن ضميره يقبل التعامي عن الحقائق الصارخة في غزة مثلما يفعل معظم الأمريكيين المناصرين لإسرائيل. وجوهر الأمر أن كيرك وجد نفسه مطحونا بين مطرقة اللوبي الصهيوني الذي يموله ويتحكم فيه، بل و«يمتلكه امتلاكا»، على حد تعبير بلومنثال، وبين سندان قاعدته الشعبية من الشباب الجمهوري المحافظ الذي اكتشف الحقيقة الكولونيالية والإبادية لدولة إسرائيل والذي صار ساخطا متقززا من انبطاح الساسة الأمريكيين أمام اللوبي الصهيوني وتغليبهم مصلحة دولة أجنبية على المصلحة القومية لبلادهم. وأكد بلومنثال أن كيرك صار خائفا أشد الخوف من الصهاينة ومما يمكن أن يفعلوا به بعد أن رفض إغراءهم المالي: عرضوا عليه 150 مليون دولار هبة شخصية له، علاوة على الـ80 مليونا التي يقدمونها لمنظمته سنويا، مقابل العودة إلى بيت الطاعة والكف عن انتقاد نتنياهو وفضح مجازر غزة. وعندما أبى هددوه بوخيم العواقب.

الحقيقة الثانية التي أعلنها بلومنثال هي أن ترامب هو أيضا يخاف نتنياهو واللوبي الصهيوني، وأن مصادره داخل البيت الأبيض أكدت له أن ترامب لا يجرؤ على مواجهة نتنياهو لأنه لا يأمن عواقب هذه الفعلة لو أقدم عليها. وأبلغته المصادر ذاتها أنه أثناء إحدى زيارات نتنياهو (أدى ما لا يقل عن أربع زيارات للولايات المتحدة في الأشهر الأولى من هذا العام، وهذا عدد زيارات استثنائي لم يسبق أن أدى مثله، في مثل هذه الفترة الوجيزة، أي سياسي إسرائيلي أو أجنبي آخر) قام عملاء المخابرات الإسرائيلية بزرع أجهزة تنصت في السيارات التي تستخدمها وكالات الاستخبارات الأمريكية في الرد على حالات الطوارئ. وعندما كشفتها الاستخبارات الأمريكية وبلّغت البيت الأبيض، تكتم بطبيعة الحال على الأمر. وليس هذا بالجديد. فقد سبق لموقع بوليتيكو أن كشف عام 2019 أن الاستخبارات الإسرائيلية ركزت أجهزة تجسس حول البيت الأبيض للتنصت على اتصالات ترامب بالجوال أثناء رئاسته الأولى. كما أن رئيس الحكومة البريطاني السابق بوريس جونسون روى في مذكراته أن نتنياهو طلب منه، عند زيارته إلى لندن، أن يستخدم دورة المياه الخاصة به، وفور ذلك اكتشف البريطانيون أن نتنياهو زرع جهاز تنصت في المرحاض! بل إن توني بلير، ذلك الخادم الذليل لإسرائيل، دائما ما ينصح مساعديه البريطانيين بالحرص على عدم التفوه بأي شيء ذي بال عندما يكونون داخل المباني والسيارات الرسمية الإسرائيلية!

هذه التسريبات من داخل البيت الأبيض عن خوف ترامب من نتنياهو تدفع إلى طرح السؤال ذاته الذي سبق أن طرحناه هنا بشأن علاقته المريبة ببوتين: ما الذي تمسكه إسرائيل من الأسرار (ملفات، أشرطة، الخ) التي يمكن أن تبتز بها ترامب؟ سؤال مهم بادر المرشح الرئاسي السابق، الناشط الأمريكي ذو الأصل اللبناني، رالف نادر إلى طرحه قبل حوالي شهر. ندد بـ«الهولوكوست الفلسطيني الذي يرتكبه الإرهابي الأعظم نتنياهو» وكتب مخاطبا ترامب: «إنك متواطئ في هذا التذبيح المهول للرضع والأطفال والأمهات والآباء بينما تمطر القنابل والصواريخ الأمريكية ما تبقى من غزة. سيسجلك التاريخ إرهابيا وخائنا للدستور الأمريكي بانتزاعك صلاحية شن الحرب من الكونغرس (..) ما الذي يمسكه نتنياهو ضدك (من أسرار) حتى تصاب بكل هذا الخرس وتتحول إلى رجل جبان؟»

مقالات ذات صلة