مآلات الوضع في النيجر

عمر كوش

حرير- انتهت الأحد الماضي (6/8/2023) مهلة الأسبوع التي أعطتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لقادة الانقلاب في النيجر، كي يتراجعوا عن فعلتهم، وإلا فإنها ستتدخّل عسكرياً من أجل ذلك. لم يُبدِ الانقلابيون سوى مزيد من التصلّب في مواقفهم الرافضة للمطالب الأفريقية والغربية بإعادة النظام الدستوري، حيث لم تؤد بهم التهديدات والعقوبات إلى لتراجع، بل المزيد من التصلّب في مواقفهم، وبات في حكم المستبعد، على الأقل في المنظور القريب، أن تنفذ دول المجموعة تهديدها بالتدخّل العسكري في النيجر، من أجل إرغامهم على إعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم إلى كرسي الرئاسة، على الرغم من مسارعة رؤساء أركان الدول الأعضاء في المجموعة إلى عقد اجتماعاتٍ، قيل إنها انتهت بوضع خطط لتدخّل عسكري محتمل، ومن أن كلا من نيجيريا والسنغال وبنين أبدت استعدادها لاستخدام القوة، إذا لم ينفذ الحكام العسكريون المطالب الأفريقية، خصوصا أن نيجيريا التي تعد أهم قوة في “إيكواس”، رفض مجلس شيوخها الطلب الذي تقدّم به رئيسها بولا أحمد تينوبو للمواقفة على إرسال قوات من الجيش إلى النيجر، وذلك بالنظر إلى التعقيدات التي يمكن أن تواجه نيجيريا ودول الجوار في حال حدوث تدخّل عسكري، سواء على صعيد تدفّق موجات من النازحين، أم على مستوى إمكانية أن تفيض إرهاصات التدخّل العسكري إليها.

قد يكون موقف الولايات المتحدة أحد العوامل المثبطة أو المفرملة لعجلة التدخّل، إذ شدّد مسؤولو خارجيّتها على أنها لم تطالب بتدخّل عسكري في النيجر، وأنها تفضّل الحل الدبلوماسي، لكنها، في الوقت نفسه، “مصمّمة على إعادة النظام الدستوري في النيجر”، بحسب وزير خارجيتها أنتوني بلينكن. وعليه، الظروف الدولية والإقليمية غير مهيأة للتدخّل العسكري في النيجر، بالنظر إلى تكلفته الباهظة وإرهاصاته الخطيرة على جميع دول المنطقة، فالتدخّل من أجل مهمة إعادة الرئيس بازوم إلى القصر، الذي يقع ضمن قاعدة عسكرية، ليس سهلا أبداً، سواء قامت به قوات أفريقية أو غربية. إضافة إلى أن الخيار العسكري يواجهه عدة عقبات ومصاعب، تتمثل في تماسك جبهة الانقلابيين، وتصميمهم على مواجهة أي تدخّل أجنبي، خصوصا بعد تلقّيهم المباركة من قيادات الجيش النيجري، إلى جانب دعم قسم لا يُستهان به من الشعب النيجري الكاره وجود العسكر الفرنسيين بشكل خاص، والغربيين بشكل عام، ما يعني إمكانية تشكيل جبهة داخلية قوية يمكنها الوقوف بوجه قوى التدخّل، فضلاً عن أن الدول المجاورة للنيجر أبدت مواقف رافضة للتدخّل العسكري، وخصوصا مالي وبوركينا فاسو، إلى جانب كل من غينيا والجزائر، حيث اعتبرت مالي وبوركينا فاسو أن أي تدخّل عسكري في النيجر سيكون بمثابة إعلان حربٍ على بلديهما، ما يعني أن تداعيات التدخّل العسكري لن تقتصر فقط على النيجر، بل ستتجاوزه إلى بلدان مجاورة.

يعي جميع المعنيين بالشأن النيجري أن التلويح بالخيار العسكري كان وسيلةً للضغط على عسكر النيجر، وبوصفه “الخيار الأخير المطروح على الطاولة”. لذلك فتحت المجموعة في الوقت نفسه باب الديبلوماسية عبر إرسال وفد قاده الرئيس التشادي، محمد ديبي، إلى نيامي (عاصمة النيجر) لإقناع العسكر بالتراجع عن الانقلاب، والعودة إلى ثكناتهم. إلا أن جهوده باءت بالفشل، ومع ذلك أعادت “إيكواس” الكرّة، وإرسال وفد آخر برئاسة الرئيس النيجيري السابق، عبد السلام أبو بكر، للقاء قادة الانقلاب والنظر في إمكانية استجابتهم للمطالب الأفريقية والغربية، الأمر الذي يشي بأن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تفضّل المسار الديبلوماسي على الخيار العسكري، لكن مساعيها فشلت، وعاد وفدها من العاصمة النيجرية خالي الوفاض، فدخلت الولايات المتحدة باب الوساطة، عبر إرسال وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، إلى نيامي للتفاوض مع الانقلابيين.

تأتي الوساطة الأميركية متناغمةً مع رفض تسمية الخارجية الأميركية ما جرى في النيجر انقلابا، تجنّباً لوقف المساعدات العسكرية الأميركية، وفقاً للقانون الأميركي. وبالتالي، لن تتوقف الإدارة الأميركية عن تشجيع مجموعة دول “إيكواس” على بذل مزيد من الجهود المنسّقة معها، بغية الوصول إلى حل دبلوماسي، كونها تخشى من أن أي تدخّل عسكري سيضع وجود قواتها العسكرية في النيجر غير مقبول بالنسبة لها، فالأفضل للولايات المتحدة وفرنسا أن تعمل دول المجموعة بتوكيلٍ من دول الغرب المعنية، إضافة إلى أن قادة المجموعة الأفريقية يهمهم كثيراً توطيد سلطاتهم وحكمهم، وحماية أنفسهم من عدوى حدوث انقلابات أخرى قد تطاولهم، لذلك من المهم بالنسبة إليهم المسارعة إلى عدم إعطاء الانقلابيين الفرصة كي ينظّموا أمورهم ويوطّدوا سلطتهم.

الأرجح ألا يغلق باب الوساطات أملاً في التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ للوضع في النيجر، قد تتضمّن صفقة بين محمد بازوم وقادة المجلس العسكري، يتم فيها تقاسم السلطة وإعطاء دور سياسي للجيش، أو قد يستقيل الرئيس بازوم بشكل “طوعي” مقابل عودة الحياة الديمقراطية، لكن إصراره على العودة إلى كرسي الرئاسة يُبعد احتمالا كهذا، خصوصا أن بعض قادة المجموعة الاقتصادية حذّروه من مغبّة الإذعان للقادة الانقلابيين، ولا يزال يستقوي بالمواقف الرافضة لعزله.

تبدو مجموعة إيكواس في وضع صعب، لأن فشلها في التعامل مع الانقلاب، في حال إغلاق باب التسوية السياسية، سيعني أن بقاءها مجموعة سيكون في موضع استفهام، كما أن تدخّلها العسكري قد يفضي إلى انسحاب بعض الدول الأفريقية الرافضة له، وبالتالي، ستفقد فاعليتها. لذلك، الخيار الوحيد الذي يمكن للأفارقة والغرب اللجوء إليه هو ورقة العقوبات الاقتصادية، وهي الورقة الأقوى لديهم، والتي بدأ تطبيقها بالفعل من خلال قطْع نيجيريا كهرباءها عن النيجر، ثم مع انضمام كل من بنين وكوت ديفوار (ساحل العاج) في تطبيق العقوبات التي فرضتها “إيكواس” على النيجر بعد الانقلاب. كما يمكن أن تبادر المجموعة الاقتصادية إلى تجميد الحسابات وإغلاق المصارف، بغية حرمان الانقلابيين من النقد اللازم لصرف رواتب الجنود والموظفين. والأهم أن العقوبات لا تثير تداعياتٍ أمنية على البلدان المجاورة، مثل التدخل العسكري، لكنها ستؤثر على الشعب النيجري بدرجةٍ أكبر من تأثيرها على العسكر الانقلابيين. وستفضي العقوبات الغربية إلى امتناع عن دعم الأوروبيين الميزانية النيجرية، والتضييق على الاقتصاد النيجري الذي يعاني من الفساد والأزمات.

مقالات ذات صلة