كوكب الأغنياء

إسماعيل الشريف

«وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ» «البقرة: 96».

رحل عن العالم الأسبوع الماضي الرئيس الجزائري المسن السابق بوتفليقة، لحق برفيقه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، الذي حكم أكبر دولة عربية وقد تجاوز الثمانين – رحمهما الله – وتركا خلفهما العديد من الحكام، على رأسهم حاكم العالم بايدن وهو يتشبث في نهاية السبعينيات مرتديًا زي الشباب.

لا تنفك القصة التالية تذكرني بغياب العدالة الاجتماعية التي يقول العديد من المسؤولين أن مكانها فقط في السماء! قبل سنوات طويلة شعرت بألم في صدري، وشعر صديقي الفقير هو الآخر بألم في صدره، توجهت إلى المشفى الخاص وأُجريت لي عملية بسيطة على حساب تأميني الصحي الخاص جلست بعدها في العناية الحثيثة لساعات وخرجت كالحصان، أما صديقي الفقير فذهب إلى مشفى عام ناولوه حبة «أسبرو» وأعادوه إلى منزله فقضت عليه جلطة ومات، لتعود به سيارة الإسعاف إلى المشفي نفسه، حيث أمضى ثلاثة أيام في العناية الحثيثة التي حُرم منها حيّا، قبل أن يعلنوا وفاته! تتكرر هذه المأساة مع عشرات الضحايا.

أعتقد أن هنالك فجوة لا تقل عن عشرين عامًا بين أعمار الأغنياء والفقراء، ومع ذلك فالأغنياء يريدون أن يعمروا أكثر. قرأت بأن العديد من أغنياء العالم يدفعون بسخاء لأبحاث إطالة العمر، فأحد مؤسسي جوجل دفع مليار دولار لشركة متخصصة في بحوث إطالة العمر، ويقال إن مؤسس بوابة الدفع «باي بال» يشرب دماء الشباب.

يريدون أن يعمَّروا ألف سنة!.

صديقي الفقير، الأكل الصحي والرياضة أصبحت وصفات من الماضي لإطالة العمر، الآن بالمال ستشتري سنوات إضافية عديدة، تستطيع أن تراقب أداء جسدك لحظة بلحظة، وتعالج أي خطر محتمل، ستستبدل الأعضاء وتتناول حبوب إطالة العمر وستذهب الى المستشفيات والعيادات المتخصصة في هذا العلم.

إذا كنت تعتقد أن هنالك ظلم في توزيع الثروات انتظر لترى المزيد، فالأغنياء سيبقون فوق التراب وأما الفقراء فمكانهم تحته -ولطالما كان الأمر كذلك- سيتوسع تحكم الأغنياء في مفاصل الحياة، وستنمو ثرواتهم مع العمر الطويل، وستزداد الفروق المالية.

سيؤدي ذلك إلى دعوات الأبناء على آبائهم الأغنياء بالموت، وقد تزداد نسبة الجرائم، سيأكلون أي طعام ويدخنون ويشربون، ومع كل هذه الموبقات لن تكون من أسباب موتهم.

ستقل إعلانات الوفيات، وستكسد أعمال مكاتب تنظيم المناسبات، وسيقل الطلب على المناسف والمدجول، وستبور المستشفيات الفاخرة وعيادات الأطباء التقليديين.

وعندما يصبح الأمر واضحًا وملموسًا، ويبدأ الأقل حظًّا بالتظاهر، سيخرج علينا الأغنياء المسنون يُدلون بتصريحات مساندة لهؤلاء الفقراء الشبان في مطالبهم العادلة، وسيدعون لمكافحة هذه الظاهرة التي غدت مقلقة تؤثر على السلْم الاجتماعي، وستقدم كبوش فداء، وقد يكشفون عن بعض أسرار إطالة العمر وسيتبرعون ببعض الأموال في هذا المجال، كل هذا للمحافظة على مكتسباتهم.

قد يكون هذا السيناريو عنوان الموجة التاسعة من موجات الربيع العربي!.

مقالات ذات صلة