إشارات مهمة من الصندوق للاقتصاد الوطني

حرير- الزيارة الأخيرة التي أجرتها بعثة صندوق النقد الدولي إلى عمّان بين 28 أيلول و7 تشرين الأول 2025، حملت إشارات مهمة تؤكد أن الاقتصاد الوطني يسير على الطريق الصحيح رغم كل ما يحيط بالمنطقة من توترات جيوسياسية وحالة عدم يقين اقتصادي عالمي.

المراجعة الرابعة التي تمت قبل موعدها بيومين وبهدوء تفاوضي تام بعثت برسالة اقتصادية مهمة للمانحين والمؤسسات الدولية بان الاقتصاد الأردني يسير وفق منهج إصلاحي هو الأفضل في منطقة الشرق الأوسط من الدول غير النفطية، وبات اقتصاد أكثر ديناميكية وإيجابية في التعاطي مع الزمان المختلفة.

هذه المراجعة لها أهميتها الخاصة بأنها تأتي قبيل أيام من إنهاء الحكومة لمشروع قانون موازنة 2026 والتي ستكون منسجمة تماما مع الأهداف الكلية والمرحلية لاتفاق الأردن مع الصندوق.

المراجعة الرابعة الناجحة التي تمت نهاية الأسبوع الماضي تسبق ولوج الأردن نهاية العام لسوق السندات الدولية للحصول على سندات يورو بوند بأسعار فائدة قد تكون الأفضل في آخر خمس سنوات.

الأرقام التي خرجت بها البعثة تحمل رسائل إيجابية لا يمكن تجاهلها، فقد تسارع النمو الاقتصادي إلى 2.7 % في النصف الأول من عام 2025، وهو نمو لافت في ظل الظروف الإقليمية المضطربة، بينما استقر معدل التضخم عند حدود 2 % بفضل سياسات البنك المركزي الأردني في الحفاظ على الاستقرار النقدي وربط الدينار بالدولار الأميركي، مدعوما باحتياطيات أجنبية مرتفعة.

وهذه المؤشرات ليست مجرد بيانات جامدة، بل دليل على أن الاقتصاد الوطني يتمتع بدرجة عالية من المنعة، وأن مسار الإصلاحات المطبّقة يحقق نتائج ملموسة.

المالية العامة بقيادة وزارة المالية، تسير بدورها على المسار الصحيح لتحقيق أهداف العجز، مدفوعة بجهود حقيقية في تعزيز تحصيل الإيرادات وتوسيع القاعدة الضريبية، ومن المتوقع أن يتراجع عجز الحساب الجاري إلى نحو 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعًا بزيادة عائدات السياحة والصادرات، وهو ما يعزز الاستقرار الخارجي ويدعم استدامة ميزان المدفوعات.

وإلى جانب ذلك، يبقى القطاع المصرفي في وضع سليم بفضل وفرة السيولة وقوة الهوامش الرأسمالية، ما يجعله قادرًا على تمويل النمو المستقبلي والمشاريع الكبرى، وفي مقدمتها مشروع “الناقل الوطني”.

كما حملت المراجعة بُعدًا مهمًا يرتبط بالقطاعات الإستراتيجية، خصوصا المياه والكهرباء، والذي يهدف إلى معالجة مكامن الضعف طويلة الأمد في هذه القطاعات الحيوية، وتعزيز قدرة الأردن على مواجهة الطوارئ الصحية، إذ إن هذا التوجه لا يعكس فقط رغبة في معالجة تحديات آنية، بل يؤسس لاقتصاد أكثر قدرة على الصمود والتنافسية على المدى الطويل.

الأردن ملتزم أيضًا بخفض الدين العام تدريجيًا إلى 80 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2028، وهو هدف طموح لكنه قابل للتحقيق عبر استمرار السياسات المالية المنضبطة، مع حماية الإنفاق الاجتماعي والتنموي. وفي الوقت ذاته، تعمل السلطات على تسريع الإصلاحات الهيكلية لجذب الاستثمارات وتعزيز المنافسة وتحسين بيئة الأعمال، إلى جانب رقمنة الخدمات الحكومية وتبسيط الإجراءات الضريبية والجمركية.

في المحصلة، ما نتج عن زيارة البعثة يؤكد أن الاقتصاد الأردني، رغم كل ما يحيط به من تحديات إقليمية واضطرابات دولية، يواصل مسيرة الإصلاح والنمو، ويبرهن بالأرقام على مرونته وقدرته على التكيف.

وهذه النتائج تعبير عن ثقة المجتمع الدولي بالاقتصاد الأردني ورؤيته المستقبلية، ورسالة واضحة بأن الأردن ماضٍ في ترسيخ الاستقرار المالي والنقدي، وفتح آفاق جديدة للنمو وفرص العمل.

مقالات ذات صلة