عمان دمشق: ملفات ساخنة وحلول معلقة

أحمد الحسبان

حرير- بينما ترتفع وتيرة الحديث عن ملف اللاجئين السوريين في الأردن، وصعوبات عودتهم، يعيد الأردن الرسمي والشعبي فتح ملفات معلقة تسببت بقدر كبير من الصداع السياسي والاقتصادي والأمني للدولة الأردنية. وتوترات شبه دائمة في العلاقات على مدى عقود خلت، وتخوفات من أن انهيار النظام السوري الذي كان متهما بالتعنت فيها لن يسرع في حلها، رغم أن بعضها كان محكوما باتفاقيات ثنائية وممهورا بتواقيع رسمية تراجعت أهميتها بحكم عدم التزام الجانب السوري بها.

ما يميز تلك الملفات أنها تتعلق بحقوق أردنية، تحكمها قوانين دولية ملزمة، واتفاقيات ثنائية، لكنها ما تزال معلقة بذرائع ذات بعد سياسي، أسس لأزمات غلب الصمت على بعضها، بحكم علاقات الاخوة والجوار والرغبة بعدم التصعيد دون أن تصل إلى حلول من أي نوع.

فالملف الأمني، الذي يشكل أبرز الهواجس الأردنية، يتم النظر إليه من عدة زوايا أبرزها تواجد العديد من التنظيمات المسلحة التي كانت تصنف دوليا بأنها متطرفة، والتي لم يكن الأردن على وفاق معها في يوم من الأيام. تلك التنظيمات ما تزال موجودة على الأرض السورية، ولا أحد يعلم كيف ستتعامل مع النظام الجديد في مرحلة ما بعد الأسد. وما إذا كانت ستنخرط ضمنه أم أنها ستعيد خلط الأوراق من جديد. فالأردن يأمل أن تنتهي الأزمة السورية، وتنخرط كل التنظيمات ضمن بوتقة واحدة ـ وفقا لما تعلن قيادة المرحلة ـ ، لكنه سيبقى مستعدا للدفاع عن حدوده وأرضه من أي أخطار.

على مستوى اللاجئين السوريين، والبالغ تعدادهم ـ رسميا ـ مليونا و 300 ألف، أقل من نصفهم غير مسجلين في سجلات اللاجئين ويعيشون خارج مخيمات اللجوء التي تشرف عليها منظمات أممية، فقد التقت التوقعات الرسمية والشعبية عند احتمالية تسارع عودتهم الطوعية عقب انهيار نظام حكم الرئيس بشار الأسد.

غير أن الأيام القليلة الماضية كشفت عن تعقيدات عديدة حالت وتحول دون تسارع عمليات العودة، فلم يتجاوز عدد من اختاروا الرجوع إلى مدنهم وقراهم عشرين ألف شخص، الكثير منهم ممن قدموا إلى الأردن قبل الربيع العربي ومنذ أيام أحداث حماة في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي.

الحماسة الفاترة للعودة، فتحت الباب أمام قراءات تشير إلى صعوبة الواقع السوري، وتعقيدات الملف بمجمله في الاتجاهين، السوري والأردني. فإضافة إلى تعقيدات الملف الأمني في سورية، وتراجع اليقين بأن الأمور تسير في اتجاه التهدئة بشكل كامل، هناك من يقرأ المشهد من زوايا وتقاطعات أخرى تصب في مجملها في احتمالية عودة الخلاف تبقى واردة وفي أي لحظة، وعند أي خلاف حواري بين الفصائل، وعندما تبدأ الأطراف المتحاورة قياس مصالحها وفقا لما تراه من زاويتها، وعندما يكون المجال متاحا أمام أطراف خارجية لتثبيت مصالحها وفقا لرؤيتها.

في مجال آخر، هناك تعقيدات اقتصادية ومعاشية تضغط على السوريين المقيمين في الأردن وفي غيره من البلدان، فالمعلومات المتاحة تؤكد أن الكثير من الأسر في الداخل السوري تعتاش من خلال تحويلات أبنائهم المقيمين في الخارج، ومنها الأردن.

في المقابل، وكجزء من تعقيدات الملف، هناك أسر أردنية تعتاش من خلال عوائد إيجارات مساكن مؤجرة لسوريين في العديد من المدن والقرى، وبخاصة في محافظات المفرق وإربد والزرقاء والعاصمة، ستزيد عودة السوريين من تعقيدات الحياة لديهم. وهناك أصحاب محلات تجارية سيفقدون عمالة مؤهلة ورخيصة في حال عودة السوريين.

غير أن الأمر لا يتوقف عند ملف اللاجئين وصعوبة عودتهم، فهناك العديد من الملفات المعلقة منذ عقود عديدة، من أبرزها ملف الحدود الذي تم التوافق عليه ووقع وزيرا الداخلية في البلدين على اتفاقية بهذا الخصوص منذ ما يزيد على عشرين عاما، وأصبحت نافذة قانونا، لكنها ما تزال حبرا على ورق بسبب مماطلة الجانب السوري خلال حقبة حكم الأسد.

وتعالج الاتفاقية تداخلا حدوديا بين الدولتين، بمساحة 125 كيلومترا مربعا لصالح الأردن، وأقل من ثلاثة كيلومترات مربعة لصالح سورية، إضافة إلى تسوية أوضاع ثلاثة آلاف دونم بالتبادل مع مساحات أخرى لصالح الأردن. ومن الملفات الشائكة أيضا، ملف المياه ضمن حوض نهر اليرموك حيث تنص اتفاقية الحقوق الموقعة عام 1953 بين الطرفين على إقامة سد أردني في أسفل مجرى نهر اليرموك في منطقة المقارن وبسعة 300 مليون متر مكعب. ولاحقا، كانت هناك خطة سميت بـ”خطة جونسون” ـ نسبة الى مبعوث أميركي ـ حددت حصة الأردن من مياه الحوض بـ720 مليون متر مكعب، منها 479 للضفة الشرقية، إلا أن الجانبين السوري والإسرائيلي لم يلتزما بها. أما اتفاقية عام 1987 فقد سمحت للأردن ببناء سد الوحدة في أسفل مصب نهر اليرموك لتخزين 200 مليون متر مكعب تم تخفيضها لاحقا إلى النصف، وتراجعت الكميات المخزنة إلى ما بين 10 ـ 20 ألف متر مكعب فقط.

ومع أن اتفاقية عام 1987 كانت مجحفة بحق الأردن مقارنة مع حقوقه المائية كما وردت بخطة جونسون أو حسب اتفاقية 1953، إلا أن سورية لم تلتزم ببنودها، فاستمرت بالتوسع ببناء السدود والتي تجاوز عددها 40 سداً وبطاقة تخزينية فاقت 200 مليون متر مكعب.

كما أنها لم تكتف ببناء السدود بل قامت بتنفيذ برنامج لحفر الآبار الجوفية وزاد عددها على 3500 بئر لتمنع تدفق المياه باتجاه الأردن. ما يعني أن منسوب القلق سيبقى مرتفعا أردنيا، بانتظار ما سيقوم به النظام الجديد في سورية، الذي يبدو أنه يتعاطى مضطرا مع أولويات مختلفة بعض الشيء، لتبقى بعض الملفات الأردنية معلقة.

مقالات ذات صلة