
وقف الحرب على غزة: حماس وتل أبيب أمام ضيق الخيارات
بلال التليدي
حرير- من جديد، وبضغط من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عرض الوسطاء خطة جديدة لإنجاز صفقة بين إسرائيل وحماس لوقف مؤقت لإطلاق النار من 60 يوما، يتم خلالها التفاوض حول شروط وقف دائم لإطلاق النار، على أساس ضمانات أمريكية بتمديد وقف إطلاق النار في حالة تيقنها من وجود مفاوضات جديدة بين الطرفين.
وسائل الإعلام، بما في ذلك المقربة من الطرفين، تقول بأن هذه المبادرة مختلفة عن المبادرات السابقة، وأن السياق الدولي والإقليمي، يرجح أن تنجح لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، لا يريد أن يبدد المنجزات المهمة التي حققها على الجبهة مع إيران خاصة في يوم الحرب الأول، وأن اللحظة مناسبة للذهاب إلى وقف إطلاق النار، وتقديم تنازلات ولو كانت مؤلمة، وأنه في ظل وجود شبكة أمان من قوى المعارضة الإسرائيلية، لم يعد بنيامين نتنياهو يتخوف من ردود فعل اليمين الديني المتطرف ومزايداته بإسقاط الحكومة، خاصة وأن الاستمرار في الحرب، يعني إجبار الحريديم على التجنيد، وهو ما لا توافق عليه أحزاب اليمين المتطرف نفسه.
وسائل الإعلام الإسرائيلية تدفع بحجة أخرى، فالمؤسسة العسكرية، حتى بعد تعيين رئيس أركان ووزير دفاع مقربين من رئيس الوزراء، فإن رأيها يسير في اتجاه إنهاء الحرب، بحجة أن لم تعد هناك أهداف برية في غزة لم تحقق، وأن البقاء في القطاع يعني تعريض الجنود للخطر.
بعض المقربين من حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، يتقاسمون جزءا مهما من هذا التحليل. ومع أنهم يبقون على مساحة كبيرة من التوجس، إلا أنهم يرون في المحصلة أن هذه اللحظة مختلفة تماما، وأن إسرائيل تريد وقف الحرب، لكنها لا تريد أن تبدو بمظهر المنهزم، ولذلك فإنها تصر على أطروحة تجزيء التفاوض، وطرح فكرة وقف مؤقت لإطلاق النار يتم خلاله التفاوض حول المرحلة النهائية.
عناصر الخطة التي تم اقتراحها لا تختلف كثيرا عن خطة البعوث الأمريكي ستيف ويتكوف الثانية المتحيزة لإسرائيل، سواء من حيث عدد الأسرى المقترح الإفراج عنهم خلال المدة المؤقتة لوقف الحرب (10 أسرى) أو من حيث المدة (60 يوما) مع اختلاف في مواعيد الإفراج المتبادل.
الجديد هذه المرة، هو وجود ضمانة أمريكية بإمكان تمديد وقف إطلاق النار حتى ولو لم يحصل اتفاق في التفاوض حول المرحلة النهائية لإنهاء الحرب، لكن هذه الضمانة معلقة على شرط غير منضبط، فشرط الجدية تقديري، وقد رأينا كيف كان ستيف ويتكوف، عند خرق تل أبيب لالتزاماتها في الاتفاق الأول أو الثاني المقترح، كان يوجه اللوم أساسا لحركة حماس، ويتهمها بعدم الجدية.
ما يعزز التوجس أكثر أن إسرائيل لم تصرح بالمطلق أنها جادة بوقف الحرب، وأن المرحلة المؤقتة ستكون مرحلة التفاوض لإنهاء الحرب، ولم تبد إلا مرونة جزئية في المواقع التي ستنسحب منها خلال الستين يوما من الاتفاق وفي كيفية توزيع المساعدات ووتيرتها، مع إصرار على عدم وقف دائم إطلاق النار عدم الانسحاب الكامل من قطاع غزة، أي أنها على خط نقيض مع مطالب حماس لإنجاز صفقة تبادل الأسرى.
في الواقع، لا يمكن أن نعول كثيرا على هذا التصلب الإسرائيلي في النقاط التي تصر حماس على أن تجعلها شروطا أساسية لمجرد الدخول المبدئي للتفاوض، فهذه أوراق تفاوضية، يصعب أن تدخل تل أبيب بدونها، لكن في المقابل، لا ينبغي بأن نزيح من الاعتبار تنصل إسرائيل من الاتفاق الأول، والأسباب الحقيقية التي اضطرتها إليه، وما إذا كان نقص الذخيرة من الأسباب الرئيسية التي حفزتها على ذلك، وحالما خرجت من المأزق عادت إلى الحرب.
الوضعية تبدو أكثر تشابها، فتل أبيب باعتراف الرئيس الأمريكي نفسه، خرجت من حرب الاثني عشر يوما مع طهران منهكة، وهي تعاني عسكريا من إجهاد للقوات العسكرية ومن نقص كبير في الذخيرة والمعدات، كما عانى مجتمعها من إنهاك طيلة دام ثمانية عشر شهرا، بالإضافة إلى الحرب مع إيران، ولذلك، سيكون وقف الحرب لشهرين وصفقة تبادل للأسرى ولو جزئية، مفيدة جدا خاصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي عرضت عليه من معارضيه شبكة أمان لعدم إسقاط حكومته، لكنه إلى اليوم لم يحصل على أمان من المؤسسة القضائية ولا زال سؤال تقويض حماس يزعجه خاصة بعد ارتفاع وتيرة المقاومة الفلسطينية في غزة وارتفاع الكلفة الإسرائيلية من الجنود والضبط في الأيام القلية الماضية.
الرئيس الأمريكي بعث برسالة إلى المجتمع الإسرائيلي بجميع مؤسساته، بما في ذلك الأمنية والقضائية بضرورة إنقاذ رئيس الوزراء ورفع يد المساءلة القضائية عنه، ورئيس الوزراء الإسرائيلي يستعد لزيارة ثانية إلى البيت الأبيض في أقل من ستة أشهر من ولاية دونالد ترامب، والإدارة الأمريكية تشترط أن يسبق هذه الزيارة انخراط إسرائيلي جدي في جهود وقف إطلاق النار بغزة، لكن هذه السيولة في التصريحات الأمريكية إنما هي في الجوهر تغطي على حقيقة أن استمرار الحرب أو توقفها هو مرهون بالرؤية التي ستقدم لـ«اليوم التالي» في المنطقة، وأنه لهذا السبب بالذات برمجت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن.
واضح من أجندة التفاوض التي ستتم خلال الستين يوما أن ما يتصدر عناوينها هو «اليوم التالي»، و«الوضع الأمني» في غزة، ومن يديرها بعد حماس، وهل ستبقى القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، أم أن تل أبيب ستختار نفس نسخة وقف الحرب بلبنان، بإبقاء حرية الحركة لجيشها للقيام بهجمات في أي لحظة على القطاع ومن غير إذن مسبق لأن الأمر في تقديرها يرجع إلى حاجة أمنية إسرائيلية.
أميل اليوم لرؤية أكثر تشاؤما، تدفع فيها واشنطن وتل أبيب حماس إلى مأزق قبول الاتفاق بمرونة في الاشتراط، بما يزيد من تبرير الوضع القائم أو تحويله إلى وضع أسوأ مع تحميل حماس مسؤولية عدم الاتفاق حول وقف دائم للحرب بعد مرور ستين يوما، فعناصر الاتفاق هش، ترتكز على الضمانة الأمريكية، التي يمكن رفعها بمجرد اتهام حماس بعدم جدية حماس في التفاوض حول المرحلة النهائية لوقف الحرب.
الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي يحملان رؤية واحدة لشرق أوسط، تم إرعاب الفاعلين العرب فيه للدخول إلى مسار الاتفاقات الإبراهيمية، وتم فيه إجبار إيران على التفكير في تأمين وجودها قبل دعم محاورها، وتم فيه استعمال ورقة التهجير من قطاع غزة لفرض واقع سياسي فلسطيني في غزة، يعاكس إرادة المقاومة ويخدم الأجندة الإسرائيلية.
الخيارات أمام كل من تل أبيب وحماس ضيقة، لكن مع تسجيل الخلاف في وقت الضيق، فضيق الخيارات أمام تل أبيب آني، يتعلق بعدم القدرة اليوم على الاستمرار في الحرب وحاجتها لوقف الحرب لمدة شهرين لتحقيق جزء مهم من رهاناتها، وضيق حماس آجل، متعلق بورطة مسايرة اتفاق من 60 يوما تقدم فيه جزءا مهما من رصيد الأسرى والجثامين عنها، مع كشف تفصيلي عن وضعيتهم (أموات أم أحياء) بوجود ضمانة هشة قد تزول بكلمة واحدة رددها ويتكوف أكثر من مرة لحظة خرق إسرائيل للاتفاق، واتهامه حماس بعدم الجدية.