
جبهة العمل الإسلامي في الأردن على صفيح ساخن
نضال منصور
حرير- تتصاعد أزمة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بعد الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي، ترامب، الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، تصنيف فروعها في الأردن، ولبنان، ومصر منظمات إرهابية، لأنها، بحسب كلام البيت الابيض، تغذّي الإرهاب، وتنفذ حملات تزعزع الاستقرار، وتناهض المصالح الاميركية، وحلفاءها في الشرق الأوسط.
لم تكن الحكومة الأردنية في حاجة إلى قرار ترامب لتدخل في مواجهتها مع الإخوان المسلمين، فهي في معركة شد وجذب منذ سنوات، والجماعة التي كانت الطفل المدلل للنظام الأردني في سنوات الأحكام العرفية في القرن الماضي لم تعد كذلك. ومنذ عودة الحياة البرلمانية عام 1989 يمكن بوضوح ملاحظة حالة الاتفاق والاختلاف، فمن شريكٍ رئيسيٍّ في حكومة مضر بدران عام 1990 إلى مقاطعة الانتخابات، وقيادة المعارضة الأردنية بتلاوينها المختلفة.
لم تستشعر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن خطر المواجهة والضغوط في الآونة الأخيرة، بل منذ عقود. وفي محاولة للفصل بينها جماعة دعوية بحسب ما تعرّف نفسها، أنشأت حزب جبهة العمل الإسلامي ذراعاً سياسيّاً عام 1992، ولكن هذا التداخل بين الجماعة والحزب ظلّ قائماً، ولم يُقطع، أو يُحسم، وظلّ للجماعة كلمة مؤثرة داخل بنيان الحزب.
هذا التداخل بين الحزب والجماعة يُذكر، إلى سنوات قريبة خلت، في العلاقة، والاشتباك مع حركة حماس. وكانت هناك قناعات داخل أجهزة السلطة في الأردن أن “حماس” تُدير أحياناً المشهد في داخل الجماعة في الأردن، ما يمتدّ إلى الحزب حكماً. وحتى وقت قريب، كانت تصنيفات الصقور والحمائم مؤشّراً أيضاً على الاقتراب، والافتراق عن أجندة “حماس”، والامتدادات الخارجية للحركة، وربما كان قرار إبعاد قادة حركة حماس من الأردن (1999) في حكومة عبد الرؤوف الروابدة قد حدّت من هذا التداخل، وبعثت رسالة إلى الحركة الإسلامية بالتوقف والحذر.
عمدت السلطات الأردنية، في العقود الماضية، إلى تفتيت الجماعة من الداخل، واستقطاب عناصر مؤثرة من داخلها، وإحداث كيانات إسلامية موازية لنزع الشرعية عنها، وأحادية تمثيلها الإسلام السياسي، غير أن كل هذه الحملات لم تنجح في إقصائها، وتهميشها، وظلت لاعباً رئيسياً. وربما كان “الربيع العربي” لحظة “الطلاق البائن” بين السلطة في الأردن وجماعة الإخوان المسلمين، حين اعتقد النظام أن “الإخوان” استغلوا “الربيع العربي” لرفع سقف مطالبهم التي تهدّد نظام الحكم، وهو التوجّه الذي ما زالت ظلاله تحكم العلاقة منذ ذلك الحين.
أعلنت محكمة التمييز في الأردن في يوليو/ تموز 2020 أن جماعة الإخوان المسلمين منحلة حكماً، وغير قانونية، وفاقدة الشخصية الاعتبارية، ووافقت على تسجيل جمعية أخرى باسم جماعة الإخوان المسلمين، وهم تيار مناوئ للجماعة، وخارج عنها، واشتعلت لاحقاً معارك قانونية بين الجماعة المنحلة والمسجلة قانونيّاً على الإرث المالي، وأبقت الحكومة، في ظل هذا الخلاف، شعرة معاوية مع الجماعة المنحلة، للمساومة، والتوظيف، والاستخدام.
لم تنته هذه المكاسرة السياسية، وكانت المفاجأة بحصد حزب جبهة العمل الإسلامي أكثرية لافتة في القائمة الوطنية في الانتخابات النيابية (17) مقعداً في القائمة الحزبية، يضاف إليهم 14 مقعداً في القوائم الفردية. وبهذا أصبحت لديهم كتلة وازنة من 31 نائباً تحت سقف البرلمان. والحل الوحيد لمواجهتها، وإبطال تأثيرها، كان بتحالف تيارات الأحزاب الوسطية في البرلمان، ليبقى تأثير ممثلي حزب جبهة العمل الإسلامي هامشياً، وخارج دائرة صنع القرار.
كانت هناك قناعات متزايدة داخل مرجعيات الدولة في الأردن أن الجماعة والحزب يحصدان تعاطفاً أكبر في ظل حرب الإبادة على غزة، وأنهم يوظفون “7 أكتوبر” لأجندتهم السياسية، وأن خطابهم كان يتسم بالتصعيد، وتحريض الشارع، وهو أمر قد يصعب ضبطه، واعتُبرت عملياتٌ مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الأردنية مؤشّراً خطيراً، خصوصاً بعد تبني الحركة الإسلامية لها أولاً، وتراجعها لاحقاً.
تفجّر أكثر مظاهر هذا التصعيد قبل أشهر في قضية أمن الدولة التي اتُّهم فيها أشخاصٌ، منهم “أعضاء في الجماعة والحزب” بتصنيع الصواريخ، والطائرات المسيرة، والتجنيد، وزادت هذه القضية من ظلال الأزمة، وعمّقتها، وفتحت باب الأسئلة عن مشروعية جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن تعلن الحكومة في إبريل/ نيسان الماضي حظر الجماعة، واعتبارها غير مشروعة، وتجريم أي دعم، أو ترويح لها. وظل ملف حزب جبهة العمل الإسلامي على الطاولة، وقيد البحث بعد اتهامات عن ارتباطات الحزب بالجماعة، ما اعتبر مخالفات تستوجب المساءلة.
بعد الأمر التنفيذي للرئيس ترامب، تدعو أصوات في الأردن إلى حل حزب جبهة العمل الإسلامي قبل صدور الإجراءات التي ستتخذها الإدارة الأميركية، وهناك من يذهب إلى الدعوة إلى حل البرلمان، والذهاب إلى انتخابات نيابية جديدة، خصوصاً إن كان هناك توجّه الى استبعاد نواب جبهة العمل الإسلامي. وفي المقابل، ترى أصوات أخرى ضرورة التمهّل، وعدم التساوق مع “مراهقة” إدارة ترامب في تصنيف الحركات السياسية، ويعيدون إلى الأذهان تصنيف جبهة النصرة، ولاحقاً هيئة تحرير الشام التي كانت بتصنيف الإدارة الأميركية تنظيماً إرهابياَ، والآن تفتح لهم أبواب البيت الأبيض.
في الأردن حالة من الترقب، ولا يُعرف بعد التوجّه تحديداً، ولا تُعرف حدود المعلومات والاتهامات الأميركية بحق إخوان الأردن، وهل ستفرض عقوبات على شخصيات قيادية؟… هناك في الغرف المغلقة في عمّان سيناريوهات تُعد، وجدل، ونقاش قانوني عن إمكانية فصل حزب جبهة العمل الإسلامي عن الجماعة، والنأي بها عن الإخوان المسلمين، والاستمرار بالمضي في الأجندة الوطنية للإصلاح السياسي من دون التعثر في مقاربات واشنطن. ويرى معهد السياسة والمجتمع، في دراسة استباقية بعد القرار الأميركي، أن بقاء حزب جبهة العمل الإسلامي على الأمر الواقع غير مفيد، وأن أمامهم خيارين؛ الاندماج مع حزب، أو أحزاب سياسية أخرى، أو تغيير اسمه وهويته الحزبية.
في كل الأحوال، حزب جبهة العمل الإسلامي على صفيح ساخن، والخيارات أحلاها مرٌّ، وتقول التجربة إن تيار الإسلام السياسي عُرف ببراغماتيته، ومرونته، وقدرته على التكيف، والتماهي مع الاستحقاقات، مهما كانت صعبة، للحفاظ على وجوده، والدولة الأردنية أكثر من يعرف ذلك.



