تجميد نزع سلاح المقاومة… وتمجيد خطة الجيش اللبناني

عصام نعمان

حرير- التسوية هي نهج العمل السياسي للحكم والمعارضة في لبنان، الصراع المحتدم حاليّاً يجري على التسوية المنشودة بين قوى المقاومة بقيادة حزب الله من جهة، والقوى المعادية للمقاومة بقيادة حزب القوات اللبنانية وحلفائه أصدقاء الولايات المتحدة من جهة أخرى. محور الصراع يتركّز على تنفيذ، أو إلغاء قراريّ مجلس الوزراء بتاريخ 5 و7 أغسطس 2025، القاضيين بحصر السلاح بيدّ الدولة وتنفيذه وفق خطةٍ تضعها قيادة الجيش اللبناني.

قوى المقاومة كانت، وما زالت، ضد نزع سلاحها، إذ لا يُعقل تنفيذ ذلك بينما تحتل «إسرائيل» أراضي واسعة في منطقة جنوب نهر الليطاني، كان قد كرّسها اتفاق وقف الأعمال العدائية بتاريخ 27 نوفمبر 2024، عملاً بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 على أن يقوم بتنفيذه لبنان و»إسرائيل» معاً.

حزب الله نفّذ أحكام الاتفاق المذكور تبعاً لموافقة الحكومة اللبنانية عليه، بسحب سلاحه ومقاتليه من جنوب نهر الليطاني، «إسرائيل» امتنعت عن تنفيذ الاتفاق، بل وسّعت احتلالاتها واعتداءاتها على لبنان. كان يُفترض بمجلس الوزراء، البت يوم الجمعة الماضي في الخلاف المحتدم بين الفريقين اللبنانيين المتصارعين، فإما أن يقرر البدء بتنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة، وفقاً لخطةٍ وضعتها قيادة الجيش اللبناني، أو ان يُلغي قرار حصر السلاح، استجابةً لطلب أنصار المقاومة، فماذا حدث؟ قدّم قائد الجيش العماد رودولف هيكل خطةً محورها المحافظة على السلم الأهلي خاليةً من جدولٍ زمني لتنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة، مستعيضاً عن الجدول بوضع مراحل للتنفيذ يجري اعتمادها في ضوء انسحاب «إسرائيل» من الأراضي التي تحتلها في منطقة جنوب نهر الليطاني، ووقف انتهاكاتها البرية والجوية، وإنجاز الحكومة اللبنانية تأمين الأسلحة اللازمة لقيام الجيش بمهامه في إطار استراتيجية للأمن الوطني. رحّب مجلس الوزراء بخطة قيادة الجيش التي اعتبرها الوزراء الشيعة لاحقاً مقبولةً رغم انسحابهم من مجلس الوزراء، قبل مباشرته بمناقشتها، انسجاماً مع موقفهم الثابت برفض قرار حصر السلاح بيد الدولة قبل انسحاب «إسرائيل» من الأراضي اللبنانية التي تحتلها.

الصراع في لبنان وعليه مستمر، ولاسيما ضغوط الولايات المتحدة و»إسرائيل»، وإصرار قوى المقاومة على البقاء والنضال ضد الصهيونية وحليفها الغرب الأطلسي مستمرٌ ومتزايد

ما معنى ترحيب مجلس الوزراء بخطة قيادة الجيش؟

الترحيب ليس قراراً ولا مفاعيل قانونية له، إلاّ بمقدار ما تتوافق الحكومة وقوى المقاومة المسلحة على تنفيذ ترتيبات عملانية على الأرض. كان حزب الله قد سحب سلاحه ومقاتليه من جنوب نهر الليطاني، خلال الأشهر التسعة الماضية، ما يعني أن ترحيب مجلس الوزراء بالخطة أضحى بمثابة موافقة ضمنية على تجميد عملية حصر السلاح، وتجميد نشاط المقاومة في المنطقة، بانتظار تحقيق سائر الشروط الواردة في خطة قيادة الجيش. ما كان تجميد عملية حصر السلاح بيد الدولة، وتجميد نشاط المقاومة في جنوب نهر الليطاني ليتمّا، لولا حرص قيادة الجيش على حفظ السلم الأهلي، بالامتناع عن تضمين خطتها جدولاً زمنياً لتنفيذ سحب السلاح من مقاتلي المقاومة، ما أفرز تالياً موجة ارتياح في صفوف عامة الناس تخلّلها تمجيد ملحوظ بالجيش اللبناني.

هل انتهى الصراع وحُلّت معضلة حصر السلاح بيد الدولة؟

ليس تماما، ذلك أن الأمر يتوقف على ردة فعل كلٍّ من «إسرائيل» والولايات المتحدة والسعودية. «إسرائيل» كانت رفضت إنهاء احتلالها ووقف اعتداءاتها، رغم «ضغوط» الموفد الأمريكي توماس براك، الذي أقرّ بإخفاقه في الحصول على وعد منها بوقف انتهاكاتها المتواصلة، فهل تعاود «إسرائيل» انتهاكاتها بوتيرةٍ أعنف بالتوازي مع حرب التقتيل والتجويع والتهجير، التي تشنّها بلا هوادة على قطاع غزة؟ الولايات المتحدة كانت قد رحّبت باتخاذ مجلس الوزراء قراراً بحصر السلاح بيد الدولة، فهل تراها تعاود ضغوطها على الحكومة التي رحبت بخطة قيادة الجيش اللبناني، رغم انها لم تتضمن جدولاً زمنياً للمباشرة بتنفيذ عملية حصر السلاح؟ أم تحاول تهدئة «إسرائيل» ريثما يصبح الجيش اللبناني في تقدير واشنطن قادراً على المباشرة في تنفيذ عملية حصر السلاح؟ السعودية كانت قد استنكرت تمادي «اسرائيل» في حربها على غزة، وفي اعتداءاتها المتواصلة على لبنان، وطالبت بقبول الولايات المتحدة بحل الدولتين، أي بقيام دولة فلسطينية إلى جانب «إسرائيل»، كشرطٍ لانخراطها في «اتفاقات إبراهام» التطبيعية، فهل تراها تستمر في موقفها هذا؟ أم تدفع الأوساط السياسية الخاضعة لنفوذها في لبنان إلى الضغط على الحكومة بغية استصدار جدول زمني لتنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة؟

إلى ذلك، ماذا تراه يكون موقف قوى المقاومة، وفي مقدّمها حزب الله؟ هل تكتفي بقرار مجلس الوزراء المرحب بخطة قيادة الجيش؟ أم تبادر الى استنهاض قوى شعبية ضاغطة بغية التخلي كلياً عن قرار حصر السلاح بيد الدولة، والانتقال تالياً إلى خطة توسيع الدعم الشعبي للمقاومة، وخطة التصدّي للكيان الصهيوني بكل الوسائل الممكنة، وأهمها بناء جبهة شعبية عريضة مؤيدة للمقاومة ومعادية لسياسة الولايات المتحدة الداعمة بالمطلق لـِ»إسرائيل»، خصوصاً بعد ظهور نتائج استطلاع رأي أجرته مؤسسة «الدولية للمعلومات» المعروفة برصانتها واستقلاليتها، كشفت أن اكثر من 58% من اللبنانيين يعارضون نزع سلاح حزب الله، بينهم أكثر من 59% من الموحدين الدروز، وأكثر من 44 % من الموارنة المسيحيين، ناهيك من أكثر من 96% من الشيعة؟

في ضوء كل هذه الوقائع والمواقف والاحتمالات، أرى أن ثمة مبادرة إضافية جديرة بالتفكير والتنفيذ هي، وجوب المباشرة دونما إبطاء بتنفيذ مطلب إعمار جميع المناطق المتضررة في الجنوب، كما في سائر مناطق لبنان، جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة. فقد أظهرت أخيراً ميزانية مصرف لبنان ارتفاع موجوداته الخارجية بالعملات الأجنبية بمبلغ 20635 مليون دولار إمريكي (1.80%) خلال النصف الأول من شهر أغسطس 2025 بحيث أصبحت قيمة موجوداته الخارجية 11.69 مليار دولار أمريكي. فوق ذلك، زادت قيمة احتياطات لبنان من الذهب بـِ8.18 مليار دولار (35.88%) على صعيد سنوي. كل هذه المعطيات تشير إلى أن لدى مصرف لبنان، أي لدى الدولة، من أموال الاحتياط ما يمكّنها من مباشرة الإنفاق على متطلبات الإعمار، من دون انتظار ما يمكن أن تقدّمه دول الغرب ودول الخليج من تمويل في هذا المجال. مع العلم أن حكومتيّ العراق وإيران تعهدتا بتقديم مساعدات مالية وازنة لدعم تمويل برنامج لبنان الإعماري، لذا لا تجوز المبالغة في التخوّف من تداعيات قيام الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي بوقف تمويلها لبرنامج الإعمار اللبناني لأن قيادات نافذة في هذه الدول تعتقد أن المباشرة بإعمار المناطق الشيعية المتضررة من شأنه، في ظنّها، تشجيع سكانها على قبول سياسة حصر السلاح بيد الدولة وإبعادها تالياً عن المقاومة وأنصارها.

الخلاصة، الصراع في لبنان وعليه مستمر، ولاسيما ضغوط الولايات المتحدة و»إسرائيل»، لكن إصرار قوى المقاومة على البقاء والارتقاء والنضال ضد الصهيونية وحليفها الغرب الأطلسي مستمرٌ أيضا ومتزايد، لاسيما وأن مؤشرات عدّة تشي بأن تمجيد الجيش اللبناني لحرصه على السلم الأهلي قد يقترن في قابل الأيام بتمجيد المقاومة أيضاً، بما هي العمود الفقري للدفاع عن وجود لبنان واستقلاله وسلامة شعبه الصامد.

مقالات ذات صلة