” بين فوضى النّاقد و بقاء المسؤول الفاسد”

 

بقلم د. بشار شريف

كثيراً ما نسمع عن النقد البناء و النقد الهدام.. و في ظل ما نراه اليوم في دولنا العربية و الإسلامية من فساد إداري و مالي فاضح أصبحت لغة السخط و النقد هي اللغة الأكثر شيوعاً و الأعلى صوتاً.. و لكن أي نقد هو؟؟ هل هو البنّاء أم الهدّام؟؟

 

الحقيقة أن ما يصدر من انتقادات شعبية لسياسات الدول و سلوكات المسؤولين على المستويين الداخلي و الخارجي خليط من النقد البناء و الهدام.. و المشكلة أن المسؤولين – في معظمهم – يصمون آذانهم عن النقد البناء، و يضيقون ذرعاً بالنقد الهدام؛ مما زاد وتيرة علوّ صوت النقد الهدام الساخط الذي لا يعجبه شيء.. و الذي صار ينتقد بصورة لاذعة و أحياناً كثيرة غير مؤدبة.. فصرت ترى نقاداً يمارسون هذا النوع من النقد – خاصة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي بين يدي معظم الناس – مع أن الناقد لا يميز بين عمل النائب و عمل عضو المجلس البلدي، أو يخلط بين دور الوزير و دور المحافظ، أو لا يفرق بين دور علماء الأمة و بين دور جيوشها.. فجعلت هذه الممارسة الفوضوية للنقد كثيراً من المسؤولين يصلون إلى قناعة بأننا مسؤولون عن شعوب لا يعجبها شيء.. و تنتقد كل شيء.. و تشكك في كل شيء.. و تحول الإنجاز البسيط أو الكبير إلى مادة للسخرية.. ما يعطي الفاسدين من المسؤولين ذريعةً للاستمرار في طغيانهم و فسادهم، و العمل للمصلحة الشخصية بدلاً من العمل للمصلحة العامة..

 

ما العمل إذن ؟؟ هل نسكت عن الفساد و أهله ؟؟!!

بالطبع لا، لكن لا نريد – بدورنا – أن نعطي بفوضى نقدنا ذريعة و حجة للفاسد حتى يستغرق في فساده، بل نريد أن نقطع الطريق على أية ذريعة يمكن أن يتمسك بها ضدنا ليستغرق في طغيانه و فساده ..

 

إذن، ما المطلوب؟؟

المطلوب هو أن نجعل نقدنا بنّاءً من حيث المحتوى، رصيناً من حيث الأسلوب و الصياغة، يجمع بين القوة في الطرح و الأدب في الخطاب؛ حتى تبقى له قيمة و هيبة و احترام عند أصحاب القرار حتى لو لم يعملوا به، و حتى لو كان محتواه يغضبهم ..

 

و لكن، كيف؟

1- حين يكون الناقد مدركاً لطبيعة الأمر المنتقَد، و على اطلاع بحيثيات موضوعه كاملاً..؛ لأن الله تعالى قال : ” و لا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا”..

 

2- حين يكون الناقد عادلاً؛ فيقول للمحسن : أحسنت، و للمسيء : أسأت.. و لا يرى كل شيء سلبياً، و لا يقلل من شأن الإيجابيات..؛ فالله تعالى يقول : ” و لا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى “.. و يقول :” و إذا قلتم فاعدلوا “..

 

3- حين يكون الناقد مهذباً؛ حيث يقول – عليه الصلاة والسلام – : ” ليس المؤمن بالطعان و لا اللعان و لا الفاحش البذيء”..

 

4- حين يكون الناقد – بينه و بين نفسه – مستعداً لنقد نفسه كما ينقد غيره؛ لأن الله وجّه استفهاماً استنكارياً لبني إسرائيل قائلاً لهم : ” أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم”

مقالات ذات صلة