البطيخات السبع

حرير_يحدث للآباء الطيبين- تتمة:

ماذا حدث للبطيخات الستة الباقية؟!.. قلنا في منشورنا السابق أن والدنا الذي يصنف وفق قائمة الأباء العباقرة بالأب المتفرد بشراء الأشياء الفذة.. كالشروات اللقطة مثلاً، قلنا أنه إشترى 6 بطيخات وبطيخة زيادة على البيعة على سبيل ال( offer)، وبسعر يقترب من ” والله ببلاش”.. وقلنا أنه فتح البطيخة السابعة وقال كلمته التاريخة التي طالما حيرت المؤرخين في العائلة:

– هو إنتوا بتعرفوا تشتروا بطيخ… موجهاً الكلام لي وإسمعي يا صفية، ” ودغ بلغ ” لباقي أفراد العائلة المتجمعة حول بطيخة وصفت بأنها أحلى بطيخة في الإسلام، على حد زعمي المشكوك به، والمنحاز لوالدي غالباً على سبيل الميل العاطفي لا السلطة غير المتنازع عليها بين زوجين يتسمان بتداول السلطة في سياق “ما في شيء محرز لبسط للسلطة”.!

في المساء شرع في فتح البطيخة الثانية كي يعزز فخره المشوب بالشك من شروته المظفرة، تلك التي لم تخيب رجاه، بل عززت زهوهه الظريف، ودهشة أمي العفوية بكلمة عاطفية مقتضبة قالتها مع غمزة خفيفة الظل أمام جماهير العائلة:

– والله يا عمي بطيخة، ليش الحكي..!!

وليش الحكي تستخدم على سبيل تعزيز الثقة التاريخية بإمكانات زوجها الزاهي المتفتح كفلقة بطيخة مدعاة للفخر.. ( سألتني قريبتي اللزم ساندي خليل من بير زيت بإهتمامها الآخاذ: كيف طلعت البطيخة الثانية، قلت إلها.. مثل هدف الجزائر الثاني، قاصداً هدف محرز، وقد كانت البطيخة فعلاً محرزة).!

في مساء اليوم الثاني، وبعد عشاء فاخر، نده حمودة على صفيته وقد كانت تحوص في المطبخ بثقل بطات البحيرات الأسكندنافية:

– هاتيلك بطيخة من الثلاجة، وإنت جاية جاية..!!

وإنت جاية جاية لفظ توكيد زمكاني للتخفيف من الطلبات الزوجية، ومن باب التهذيب في مخاطبة الحبيبات العتقيات في العائلة العميقة… أحضرت صفية البطيخة وعدتها، وشوية جبنة بيضا لفرد جقم من أفراد العائلة الذي أجل العشاء ليكون مع البطيخة كي يمز جبنة مع بطيخ تلك شهوة الفلسطينيين الباذخة..!

البطيخة الثالثة ” يلعن أختها ليش هيك طلعت” تلك كانت كلمات والدنا المتفاجئ، حيث كان يفتح بالبطيخة بثقة الفاتح (دير علا) ببطيخها وشمامها، وقرعها، وفقوسها… ” الله لا يفقس حدا” قال أخي الجقم ذاته، فما كان من والدي إلا وجحره بنظرة أنه ” إنت إنطم”.

بادرت صفية في محاولة ل لملمة خيبة “حمودتها” المبعثرة، وتناولت شقفة بطيخ من اللب:

– زهرية شوي، بس والله زي السكر.!!

كما قال شاعر قبيلتنا ( درويش) تلك مهنتها الجميلة.. الأمهات خبيرات في تجميل الخيبات أحياناً… قلت في خاطري.!

والمصيبة مش هون، في السهرة، وبعد محاولات لتناسي موضوع البطيخة ومتابعة حصرية ومهمة لخطاب سماحة السيد حسن نصر الله على الميادين، وقبل أن ينهي سماحته خطابه ويبدأ والدنا حمودة (بفتح) ستوديو تحليله السياسي للأبعاد الإستراتيجة، والرؤى والمواقف التي سجلها الخطاب الحصري، جاء عمار إبن أخونا يحمل صينية عامرة بشقح بطيخة كان والدنا قد أهداها لأخينا أبوعمار المجاور لنا.. قال عمار الذي يتسم بالأدب والدماثة أحياناً:

– جد، البطيخة طلعت بيضا…!

ليس لنا أن نتخيل حتى… لم يحدث شيء مهم في النهاية.. أخفض والدنا خطاب سماحته، وقال لعمار المرتبك دائما في مثل تلك الخيبات:

– إيش بتقول، قرب خ شوف..!!

لماذا كان ينبغي على والدنا أن يشوف؟! ذلك السؤال الوجودي الذي عنَّ على بالي لحظتذاك، وتبعه سؤال أشد قلقاً:

– لماذا يصر الأباء الطيبين أن يشوفوا خيبات بسيطة لا تعني سوى 7 بطيخات لم تنضج بعضاً منها.؟!

لا شيء يدعوا لنهاية مثيرة لهذه القصة، والدنا ذهب حيث باقي البطيخات الثلاثة وقذف بها على طول يده من البلكونة نحو الرصيف.

ولا شيء يدعوا لسخرية الأقدار في مثل تلك المواقف المثيرة للإرباك سوى أن تولين إبنة أخينا فؤاد ذات الأبعة أعوام، نزلت نحو الرصيف والله وحده يعلم (لماذا) وعادت بنصف بطيخة مهمشة، وفمها ممتلئ بطيخ، وقدمت نص البطيخة لوالدنا كسير الخاطر قائلة وهي تحاول فيما يبدو جبر خواطر جدها، وكانت ما زالت تلوك بقايا لقمة البطيخة:

– جدو.. البطيخة حلوة زي السكر.

* يحيى صافي.. مخيم البقعة صيف 2019

مقالات ذات صلة