ذكرى الكارثة مع ذكرى النكبة
حماده فراعنه
زامن توقف اليهود أمام ذكرى الكارثة التي اجتاحت حياتهم في أوروبا في أربعينيات القرن الماضي مع توقف الفلسطينيين أمام ذكرى النكبة التي دمرت استقرار حياتهم على أرض وطنهم في ذلك الزمن المماثل، هناك قارف النازيون جرائمهم بحق اليهود، فرحلوا إلى فلسطين هرباً من محارق أوروبا، أو طمعاً في استعمار البلد وسرقة خيراتها، فحلّت النكبة بالشعب الفلسطيني على يد اليهود أنفسهم، بعد أن احتلوا أرض الفلسطينيين، وصادروا حقوقهم، وانتهكوا كرامتهم، وطردوا نصفهم إلى خارج وطنهم فتحولوا إلى لاجئين مشردين، وما زالوا، والنصف الآخر المتبقي، أسيراً للاحتلال العسكري الإسرائيلي، والتمييز العنصري، وإغلاق فرص الحياة وحرمانهم حرية الاختيار، وما زالوا.
لم يرضخ شعب فلسطين، ولم يستكن، لا الذين بقوا داخل وطنهم من أجل الحرية، ولا الذين تشردوا تجاوبوا مع حياة اللجوء والمنافي، وهكذا سجل التاريخ لهم: قيام منظمة التحرير، ويوم الانطلاقة، ويوم الكرامة، ويوم الأرض، والانتفاضة الأولى، والثانية، وصمود الحرم القدسي الشريف، وانتفاضة الكنيسة، وما بين هذه وتلك سلسلة من الارهاصات، المتعاقبة المتقطعة لن تكون آخرها مسيرة العودة، التي أبرزت التناقض بين مظهري المشهد، صورة الجندي الإسرائيلي القناص الذي يسدد على المدنيين الفلسطينيين وكأنه في رحلة صيد برية، وصورة الفلسطيني الذي يسقط شهيداً أو حاملاً أثار جريمة الإصابة بفقدان أحد أطرافه إلى الأبد، صورة بشعة للقاتل والمقتول، للمجرم وللضحية.
الكارثة التي تعرض لها اليهود في أوروبا على يد النازيين والفاشيين، لا ذنب للفلسطينيين والعرب بها، بينما تتوالى الكوارث التي يتعرض لها شعب فلسطين، على يد اليهود، مقلدين بحق الفلسطينيين نفس النهج والممارسة والعنصرية والمذابح، فارتكبوا عمليات التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، كما سجلها الباحث والمؤرخ اليهودي الذي تخلى عن إسرائيليته ألان بابيه في كتابه الموثق “التطهير العرقي في فلسطين”، معتمداً على وثائق ويوميات المنظمات الصهيونية وما قارفته من جرائم بحق الشعب الفلسطيني بهدف دفعهم نحو الهروب والهجرة عام 1948 ، وهكذا سجل التاريخ أن حصيلة ضحايا الفلسطينيين شبيهة بما كان يفعله النازي بأجداد اليهود في أوروبا.
ذكرى المحرقة اليهودية مع ذكرى النكبة الفلسطينية، أبطال الأولى من المجرمين النازيين، والثانية أبطالها من اليهود الصهاينة، بحق الشعب المسالم الأعزل، الذي يتطلع بعد رحلات العذاب والقهر والتشرد، في العودة إلى البيوت التي طردوا منها عام 1948، في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها وفق قرار الأمم المتحدة 194 ، ولهذا كانت مسيرة العودة.
شعب فلسطين أُغلقت أمامه كل الأبواب، ولم يعد لديه سوى الباب الواحد الوحيد الشرعي والمنطقي وهو عودته إلى وطنه، الذي لا وطن له سواه، تلك هي معضلة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتلك هي امنيات وتطلعات أصحاب المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني.