. وجهة نظر في تعديلات قانون الضمان الإجتماعي .. حماده ابو نجمة

سيكون القانون المعدل لقانون الضمان الإجتماعي الذي سيناقشه مجلس النواب في دورته الإستثنائية القادمة أول تعديل يجري على القانون منذ صدوره عام 2014، ومن المفترض أن تكون له مبررات قوية ناجمة عن خمس سنوات من تطبيقه، تعبر عن احتياجات الأطراف المتأثرة به وملاحظاتهم، والسلبيات التي ظهرت خلال التطبيق، وهي مبررات تتطلب جميعها أن تطرح للحوار بمشاركة شرائح واسعة من المجتمع وممثليه.

غير أن ما حدث هو العكس تماماً، حيث لم يتم الإعلان عن أي إجراءات تتعلق بكيفية إعداده، وفيما إذا كان قد تم عرضه على مجلس إدارة مؤسسة الضمان الإجتماعي كما يوجب القانون، ومناقشته في ديوان التشريع ومن ثم إقراره من مجلس الوزراء، ناهيك عن أن مسودته لم تنشر على موقع ديوان التشريع لإطلاع المواطنين والمختصين وتلقي الملاحظات كما هو معتاد في التشريعات.

فقانون الضمان الإجتماعي يمس حياة ومستقبل الغالبية العظمى من المواطنين إجتماعياً وإقتصادياً، وأي تعديل عليه يجب أن يحظى بحوار وطني شامل، لا أن يقتصر على النخبة، وأن يتم الإستماع إلى رأي الغالبية العظمى من المتأثرين بوسائل مختلفة، والأخذ قدر الإمكان بتوجهاتهم، وبما يضمن المصالح المشتركة للجميع، فأنظمة الضمان الإجتماعي في الدول المتقدمة تقودها مجالس منتخبة مباشرة من الجمهور، وآليات عملها واتخاذ قراراتها تعتمد بصورة أكبر على استطلاع رأي المواطنين بمختلف الوسائل.

التعديل الأهم في القانون المقترح هو المتعلق بإلغاء التقاعد المبكر، وهو تعديل قد يكون مفيداً لحماية مدخرات صندوق الضمان من الإستنزاف، كونه سيقلل من حجم الرواتب التقاعدية التي سيدفعها، ويزيد من إيرادات المشتركين، وهذا أمر منطقي، غير أنه لم يأخذ بعين الإعتبار الفئات الضعيفة من العاملين، وبشكل خاص ممن يعانون من انخفاض أجورهم، حيث تبلغ نسبة المشتركين الأردنيين الذين يتقاضون أجوراً تقل عن معدل الفقر للأسرة ما يقرب من 25% من مجموع المشتركين، وهم يجدون في التقاعد المبكر فرصة لتحسين دخلهم من خلال الجمع بين الراتب التقاعدي وراتب العمل.

هذا الواقع يتطلب التأني في التوجه نحو إلغاء التقاعد المبكر، رغم ما يقال عن أن هذا التعديل سيشمل فقط المشتركين بعد بدء نفاذه، ويستوجب أن يسبق إقراره تطبيق سياسات فعالة لرفع مستويات الأجور، وبشكل خاص الحد الأدنى للأجور بما يضمن تغطية احتياجات العامل وأسرته لضمان حياة كريمة، إضافة إلى ضرورة العمل على إيجاد بدائل عادلة في قانون الضمان نفسه من خلال استثناء فئات وحالات معينة من هذا الإلغاء، من ذلك ذوي الأجور المنخفضة، وذوي المسؤوليات العائلية، والعاملين في أعمال خطرة ومرهقة…، وإصلاح شروط تأمين التعطل عن العمل بحيث يصبح تأميناً فعالاً ضد البطالة وفق الشروط المتعارف عليها دولياً، حيث أن تأمين التعطل الذي يفترض فيه أن يشكل ضمانة لمن يفقد عمله وبديلا فعالا للإستقرار الوظيفي الذي يبحث عنه كل مواطن، لم ينجح في تحقيق ذلك، لأنه ببساطة قد أوجب خصم الإستحقاقات التي يستوفيها المتعطل عن العمل خلال فترة تعطله من رصيد اشتراكاته عن تأمين التعطل، وذلك عند وصوله سن تقاعد الشيخوخة، وهو أمر يفقد هذا التأمين فعاليته وحيويته في توفير الأمان الوظيفي للعاملين عند تعطلهم، ويؤدي إلى تفضيل المتعطل التوجه نحو التقاعد المبكر كبديل أكثر أماناً.

وتعتبر نسبة الحاصلين على التقاعد المبكر عالية، حيث تمثل 48% من المتقاعدين، وهم في الغالب من ذوي الرواتب المتدنية أو المتوسطة والقريبة من حدود الفقر، وأنهم قد اختاروا التقاعد المبكر لتحسين دخلهم، ومنهم من توجه للعمل في القطاع غير المنظم الذي في الغالب لا تتوفر فيه شروط العمل اللائق، ويمثل ما يقرب من 30- 45% من العاملين في المملكة حسب بعض التقديرات.

كان من المفترض أن يراعي القانون هذا الواقع، خاصة في ظل ضعف المشاركة الاقتصادية بين الأردنيين والتي تبلغ حوالي (36%) من السكان في سن العمل و 24% من مجموع السكان؛ بما يعني أن فئة العاملين المعيلين لا تتجاوز ربع السكان، وهم يعيلون باقي السكان، حيث يشكل ارتفاع نسبة الإعالة بهذا الشكل سببا رئيسيا للتوجه نحو التقاعد المبكر، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر التي تشمل فئات لا بأس بها من العاملين وأسرهم.

كل هذه الحقائق تتطلب التعامل مع هذا القانون بحذر وتأني، وإعطاء الفرصة الكافية لسماع رأي جميع الأطراف، في إطار حوار وطني شامل.

مقالات ذات صلة