هل من أصابع روسية في انقلاب النيجر؟

عمر كوش

حرير- لم يتّضح بعد ما الذي يحمله قادة النيجر الجدد في جعبتهم السياسية من توجّهات ورؤى، لكن الواضح أن انقلابهم العسكري حدث في دولة رابعة من مجموعة دول الساحل الأفريقي الخمس (تشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا)، التي انسحبت منها مالي أخيراً. وتشكلت في نواكشوط، في 16 فبراير/ شباط 2014، من أجل أن تشكّل درعاً في وجه المجموعات المسلّحة المتطرّفة في الغرب الأفريقي، فضلاً عن التنسيق التنموي بين دول المجموعة.

النيجر إحدى الدول الأفريقية التي باتت، منذ سنوات، محطّ صراع على النفوذ والسيطرة بين الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، وبالتالي، ليس مصادفة أن الانقلاب الذي نفّذه الحرس الرئاسي في 26 يوليو/ تموز الجاري تزامن مع انعقاد القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرغ، التي اعتبرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بمثابة تدشين للعهد الروسي في أفريقيا، ورفض المشاركة فيها الرئيس النيجري محمد بازوم، الذي احتجزه الانقلابيون في مقر الرئاسة في العاصمة نيامي عشيّة القمة.

اللافت أن القمّة حضرها زعيم مرتزقة “فاغنر” الروسية، يفغيني بريغوجين، الذي اعتبر، في تسجيل صوتي له، “ما حدث في النيجر هو كفاح شعبها ضد المستعمرين، الذين يحاولون فرض نمط حياتهم عليهم”، ونشرته “رابطة الضباط من أجل الأمن الدولي”، التي تعتبرها الولايات المتحدة واجهة لمجموعة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى. ولا يختلف ما قاله بريغوجين عمّا ذهب إليه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في جولتيه الأفريقيتين في العام الحالي، حيث أسهب في الحديث عن سعي بلاده لتشكيل حصن منيع قادر على مواجهة “الإمبريالية” و”الاستعمار الغربي الجديد”، بالتعاون مع الدول الأفريقية. لذلك، تشير تحليلات إلى جهات روسية وراء الانقلاب، فيما تذهب تقديراتٌ إلى أن نجاح الانقلاب سيفضي إلى دخول مرتزقتها إلى النيجر، مثلما مهّد انقلابا مالي وبوركينا فاسو الطريق أمام دخولها إلى هذين البلدين المجاورين للنيجر، على حساب خروج القوات الفرنسية منهما. ولكن الصراع على النيجر بين فرنسا وروسيا لن يكون سهلاً في جميع الأحوال، بالنظر إلى أن فرنسا المطرودة من مالي وبوركينا فاسو نقلت قواتها إلى النيجر، فيما تسعى روسيا، عبر مرتزقتها، للتغلغل في جميع دول الساحل الأفريقي، في سياق طموحاتها في التوسّع والسيطرة في القارّة الأفريقية، تدشيناً للعهد الروسي في أفريقيا، حسبما أعلنه بوتين، على حساب التراجع الفرنسي في القارّة الأفريقية، حيث تعاني فرنسا من إرهاصات تحوّل كبيرة وواسعة تطاول علاقاتها بدول غرب أفريقيا، الأمر الذي تستغلّه روسيا للعمل مع القوى المحلية الانقلابية، التي لم تعد راضية عن السيطرة الفرنسية خصوصاً، والغربية عموماً، من أجل تنفيذ استراتيجيتها في الحلول محل القوى الغربية.

وقد نُشر بالفعل حوالى ألفي عنصر من مرتزقة فاغنر في مالي عام 2018، بعد خروج القوات الفرنسية منها، وكذلك حصل في بوركينا فاسو التي لم يُخفِ قائد الانقلاب العسكري فيها، إبراهيم تراوري، رغبة بلاده في التعاون مع “شركاء آخرين”. ولم يتأخّر قائد مرتزقة فاغنر في تقديم “الدعم” له، لتنضم بوركينا فاسو إلى قائمة الدول الأفريقية التي تزاول فيها “فاغنر” أنشطتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية.

غير أن الصراع الدولي على النيجر لا يخفي الصراع الداخلي على السلطة، الدائر بين القوى المحلية، والذي يعدّ البوابة التي ينفذ من خلالها الطامحون للسيطرة على ثروات البلد وناسه، فالإشكالات والخلافات بين القوى المحلية وفّرت الأرضية للصراع الخارجي، وحوّلت النيجر إلى ساحة تلعب فيها كل من فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين. ولم يكن ينقص النيجر انقلابٌ جديد، حيث يعاني أكثر من 70% من سكّانها من الفقر المدقع، وتحتل المرتبة الـ 189 من أصل 191 على مؤشر التنمية البشرية، ويتدنّى فيها مستوى الخدمات الأساسية من سكن وتعليم وصحة وسلامة، حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية لعام 2021/ 2022.

هناك من يعتقد أن الانقلاب جاء ضربة استباقية لتغييرات كان ينوي بازوم القيام بها، استكمالاً للتي بدأها في إبريل/ نيسان 2020، لكنه أثار أسئلة كثيرة، بالنظر إلى أن الحرس الرئاسي لم يظهر أي تحركاتٍ أو نيات انقلابية، وأن رئيسه، عبد الرحمن تشياني، شخصية متحفّظة وبعيدة عن الأضواء، ولم يثر الانتباه إليه طوال السنوات السابقة، ويعدّ من أشد المقربين من الرئيس السابق محمدو يوسفو الداعم للرئيس بازوم، والذي حرص على استمرار نفوذه في السلطة بعد انتخاب رفيقه في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وهما اللذان قادا معاً عملية تأسيسه في عام 1990، ثم ترأسّه بازوم عام 2011 بعد وصول يسوفو إلى رئاسة النيجر. كذلك فإن التركيبة الاجتماعية، القبلية والعرقية، في النيجر معقّدة وشديدة التنوع، مثل التي في سائر الدول الأفريقية، ولها تأثيرها القوي في الخريطة السياسية، حيث ينتمي بازوم إلى أقلية قبلية، لكن ذلك لم يستدع خروج السواد الأعظم من النيجريين في مظاهراتٍ احتجاجيةٍ مؤيدة أو رافضة، بل جلسوا صامتين يراقبون ما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد بعد الانقلاب. إضافة إلى أن الانقلاب هو الرابع في النيجر خلال العقدين الأخيرين، فضلاً عن عدّة محاولات انقلابية فاشلة، ولم ترافقه حوادث إراقة دماء، بل جاء سلمياً وسلساً إلى درجةٍ أثارت تساؤلاتٍ عديدة عنه، وعن الجهة وراءه، والترتيبات والخطوات التي قادت إليه.

تمتلك النيجر مساحة كبيرة وواسعة، لكن الصحراء الكبرى تغطّي قرابة 80% منها، فيما تعاني باقي مناطقها من مشكلاتٍ مناخية كالتصحّر والجفاف، ويتجاوز عدد سكانها 27 مليون نسمة. كذلك فإنها تمتلك ثروات طبيعية ومعدنية متنوّعة وغنية، خصوصاً اليورانيوم الذي تمتلك النيجر رابع احتياطي في العالم له، بعد كازاخستان وكندا وأستراليا، وبجودة عالية تميّز إنتاجه عن غيره، إلى جانب النفط والذهب والفحم والفضة، وقد جذبت هذه الثروات الطبيعية استثماراتٍ من عدة دول غربية، بالإضافة إلى الصين وروسيا وتركيا، وشكّلت على الدوام أحد أسباب صراع القوى الدولية على النيجر، لكن هذه القطاعات التي تستثمرها تلك الدول لا تعود بالفائدة المرجوّة على الوضع المعيشي للنيجريين وقدرتهم الشرائية ومستوى تعليمهم وصحتهم، الأمر الذي دفع أعداداً كبيرة من النيجريين إلى رفض الوجود الغربي، عموماً، والفرنسي خصوصاً، حيث بات الشباب النيجري، والأفريقي، يشعر بأن الوجود العسكري الفرنسي عفا عليه الزمن، ولم يعد ضرورياً، ويتعارَض مع الواقع المتغيّر، فضلاً عن الصورة السلبية التي يحملها جنود الدولة الاستعمارية لديهم.

مقالات ذات صلة