
سلاح المقاومة ومقتضيات المرحلة
أحمد عويدات
حرير- تزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن نزع سلاح المقاومة، حتى بات سياسة يومية تلازم المواقف السياسية في معظم المحافل واللقاءات السياسية، ويصر القائمون عليها في الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو وقادة حربه على أن تكون شاملة على عدة جبهات، وليس على جبهة غزة فحسب.
وقد بدأت هذه السياسة بشكلها الفعلي والعملي منذ سنتين أي مع بدء «عملية طوفان الأقصى»، وإن كان قد سبقها طروحات مشابهة انحصرت آثارها في الضفة الغربية عقب توقيع اتفاقات أوسلو. ولو عدنا لاتفاقيات كامب ديفيد واتفاقيتي فصل القوات على الجبهتين المصرية والسورية وفي الجنوب اللبناني؛ لوجدنا أن هذه السياسة كانت ولا زالت تشكل عصب هذه الاتفاقيات والتفاهمات لما يشكله السلاح من هاجسٍ وتهديدٍ أمني لدولة الاحتلال المارقة. واليوم تقف هذه السياسة « نزع السلاح « على عتبة البدء بالمرحلة الثانية من خطة ترامب لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة، خاصةً بعد إقرار مشروع ترامب في مجلس الأمن واكتساب الغطاء الدولي لتشكيل قوة استقرار دولية تكون مهمتها الأولى نزع سلاح المقاومة في غزة، وبسط الوصاية الأمريكية بالتماهي مع المصالح الإسرائيلية على قطاع غزة، وتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني في سيادته على أرضه، وحقه في تقرير المصير، وحقه المشروع في المقاومة لاسترداد حقوقه.
إن مقاومة الإنسان لكل ما يعرض حياته للخطر، أمرٌ مشروع وحتمي وفطري؛ ألم يقاوم الإنسان الوحوش الضارية التي كانت تهاجمه؟
ألم يكن يقاوم ولا زال تقلبات الطبيعة والتغيّرات المناخية؟ ألا يقاوم ويواجه الصعوبات والتحديات التي تحول دون تحقيق أهدافه وطموحاته؟ فكيف الحال مع « بشرٍ» يقتلون أطفاله ونساءه، ويعتدون على أملاكه ويغتصبون أرضه ومقدساته، ويشنون كل أنواع الإبادة عليه، ألا يقاوم هؤلاء المعتدين بما يملك من قوة؟ أم أنه يستسلم لقدره ؛ فيغدو ضحية لأطماعهم وعقيدتهم القائمة على القتل والثأر والانتقام والتوسع والعدوان؟
وعليه، إن فكرة المقاومة ولدت مع الإنسان فطرياً منذ الأزل ؛ درءاً لأي خطرٍ يواجهه، وأصبح لزاماً عليه أن يُعد العدة لذلك باحثاً عن أدواتٍ وأساليب للمقاومة. ومع مرور الزمن، تطورت هذه الفكرة واتخذت أشكالاً وأساليب مختلفةً في مواجهة اعتداءات وأخطار وتهديدات تواجهه. وفي مواجهة المحتل برزت هناك المقاومة الشعبية السلمية، التي استخدمت أشكالاً وأدوات عديدة، ومن ثم انتقلت الى المقاومة المسلحة، إلى أن أصبحت مزيجا من هذه وتلك، سيما بعد تزايد أعمال الإبادة والقتل والتدمير والاعتقال اليومي للمدنيين الآمنين، وترافق ذلك مع فشل كل مسارات التفاوض مع الاحتلال وإنكاره المستمر لحقوق شعبنا، وإدارة الظهر للمجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية. إلى أن لجأت فصائل المقاومة، بعيدة عن السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى أسلوب الكفاح المسلح وتنفيذ عملياتٍ فدائية نوعية، وبالمقابل قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بشن عدة حروبٍ على قطاع غزة، ومداهمة القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية بحثاً عن رجال المقاومة.
واليوم وبعد سنتين من الحرب التدميرية الفاشية لنتنياهو وقادة اليمين على قطاع غزة وسقوط نحو 70 ألف شهيد و 171 ألف جريح و 10 آلاف مفقود وتدمير 90٪ من البنى التحتية وتشريد مليوني فلسطيني يعيشون في ظروفٍ مأساوية بالغة على مرأى ومسمع العالم، اليوم وقد بلغت التعقيدات الإقليمية والدولية ذروتها، واتخذت الضغوط الإقليمية والدولية حيزاً خطيراً ضد شعبنا ومقاومته، وأصبح ميزان القوى لصالح دولة الاحتلال وحلفائها وداعميها بعد انتكاس منظومة التحرر العالمية، وازداد الشارع الفلسطيني تمزقاً وانقساماً، وساد الشارع العربي الإحباط من سطوة وتسلط أنظمة مرتهنة للغرب، تجاوزت ما كان يعرف «فلسطين قضية العرب المركزية «، وبعد كل هذا التخلي وهذا الخذلان على المستويين الرسمي الشعبي ؛ هل تكف المقاومة عن هذا الأسلوب الذي اعتبر ذات يوم أنه الأسلوب الوحيد لدحر الاحتلال وتحرير فلسطين؟ أم أن هناك بدائل يمكنها تحريك المياه الراكدة لقضيتنا من جديد واستثمار هذا الزخم من الدعم الدولي مقابل العزلة العالمية الواسعة التي مُنيت بها دولة الاحتلال؟
إن البحث عن البدائل لا يستوجب التخلي عن السلاح تحت أية ذريعة وأي ضغط، لأن في بقاء السلاح، وهذا أمر بديهي، صوناً للسيادة الوطنية وحماية للوطن وكرامة الإنسان وحريته. وإيجاد البدائل لا يعني أبدا التخلي عن الثوابت الوطنية والأهداف التي انطلقت لأجلها المقاومة، والمبادئ والمنطلقات التي نُظم عليها الميثاق الوطني الفلسطيني وأُسست بموجبها م.ت.ف، بل يعني بالمقام الأول إعادة النظر بكل السياسات والتكتيكات التي شهدتها المرحلة الماضية، وإعادة صياغة الخطاب الفلسطيني، بما يتناسب مع متطلبات المرحلة داخلياً وخارجياً ؛ وهذا يعني العمل على عقد مؤتمرٍ وطني يشمل كافة القوى والفعاليات في الداخل والشتات لتقييم المرحلة الماضية ووضع استراتيجية وطنية موضع التنفيذ، والعمل على إزالة آثار الحرب الهمجية الإسرائيلية على شعبنا في الضفة الغربية وغزة والتصدي لمخططات الاحتلال التهويدية، والتوسعية والإحلالية، والتأكيد على استخدام كافة أشكال المقاومة المتاحة.
إن الوقت من دم، وشعبنا يقف وحيداً صامداً مثخنا بالجراح والآلام ومثقلا بمعاناةٍ لم تشهد البشرية مثيلاً لها، ويبقى الأمل باستمرار المقاومة وسلاحها ؛ هذا الحق الذي كفلته الشرائع والقوانين الدولية والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.



