
هذه هي أزمة الهوية الأخطر
ماهر أبو طير
حرير- استغرب من الذين يتوقعون أن استشهاد ثمانين ألف فلسطيني في غزة، وجرح مئات الآلاف سيؤدي إلى غضب عربي أو إسلامي، برغم أن التاريخ يثبت حدوث إبادات أكبر لم تحرك أحدا ها هنا.
على سبيل المثال أودت الحرب التي أعقبت تفكك يوغوسلافيا السابقة بحياة أكثر من 100.000 شخص في البوسنة والهرسك معظمهم من المسلمين البوسنيين، وشردت أكثر من مليوني شخص آخرين، وخلال الحرب العراقية الإيرانية رحل عن الحياة ملايين العراقيين والإيرانيين، وتعرض الملايين للإصابات، وإذا عدنا إلى الحروب في سورية، ليبيا، اليمن، السودان، ودول عربية وإسلامية نكتشف ببساطة أن هذه الأمة لم تعد جسدا واحدا، يتداعى لبعضه البعض.
ربما اليوم لا بد من مراجعة تعريفات الأمة الواحدة، وما الذي تعنيه بعد الذي رأيناه خلال آخر مائة عام، وهي مائة عام دموية لم تترك الضربات شعبا أو بلدا إلا وأوقعت فيه من الخسائر الدموية والاجتماعية والحياتية والاقتصادية، الكثير مما لا يعد، دون أن يفلح النظام الرسمي العربي، ولا المنظومة الإسلامية على وقف حرب واحدة، بما يعني أن لا نظام عربيا أو إسلاميا متجانسا أو موحدا.
هذا لا يلغي العاطفة، ولا المشاعر، ولا الشعارات، ولا القواسم المشتركة لكنه يقول إننا اليوم أمام أمة مفتتة، قد يوحدها الدين أو اللغة، أو القواسم المشتركة لكنها لا تأبه لما يحدث داخلها، ولو عدنا إلى تجارب الاحتلالات في القرن الماضي لوجدنا أن شعوبا مجاورة لدول تم احتلالها ساعدت جزئيا في المغرب والجزائر وليبيا مثلا، لكن بقي حجم الاشتباك منخفضا، فلا أحد يضحي من أجل أحد آخر.
هل هذه هي محنة الرسميين والقيود المفروضة عليهم في العالمين العربي والإسلامي، أم أن مفهوم الأمة الواحدة بشقيها العربي والإسلامي ثبت ضعفه في الأزمات، أو عدم فاعليته، أو هشاشته وارتباط الدول بمصالحها فقط، ومخاوفها وما تفرضه عليها دول أقوى في سياقات إقليمية ودولية تجعل هذا العدد من الدول مجرد جزر معزولة تنشغل بهمومها الداخلية، وليتها تنجز شيئا مهما.
الإجابات هنا بحاجة إلى خبراء ومفكرين، لأن المشهد أكبر من الوصف، إذ لدينا في قصة غزة مثلا، شعوب تبكي على الغزيين وتتفاعل معهم، وتكتفي بالدعاء وصلاة الغائب، وربما المساعدة، لكن مجمل النظام العربي والإسلامي، لا يستحق هذا الاسم أصلا، فنحن لسنا أمام نظام موحد كما يعتقد البعض، وهذا الانشطار خلق تشظية في هوية الأمة الواحدة عمليا، وان كنا على صعيد العواطف والشعارات نحمل ذات الأحاسيس، فيما الواقع مختلف تماما.
لا يمكن لأي دولة هنا أن تطرح مشروعا لتجديد هوية أمة بأكملها أمام الأخطار والتهديدات التي يواجهها العالمان العربي والإسلامي، لأن أغلب الدول مرتبطة بمراكز نفوذ إقليمية ودولية لا تسمح لها أصلا، وهذا يعني أننا أمام نظام رسمي عربي وإسلامي معزول، ومفتت، ولا يمكن استمرار التعامل معه باعتباره وحدة واحدة.
هذه النيران التي تحرق الدول والشعوب مؤهلة لأن تمتد إلى دول آمنة، لكن المراهنة على الشريك العربي والإسلامي مراهنة غير دقيقة، لأن الكل اليوم يريد صد النار عن حدوده، معلنا بصراحة أن الأولوية الأولى له حماية ما لديه، وعدم جر دولته إلى نيران دولة ثانية، فيما الشعوب لا تحاول أصلا تغيير هذه المعادلة، بل تكتفي باللوم والعتب وتوجيه الاتهامات فيما الكل شريك في الأزمة أصلا.
هذه هي أزمة الهوية الأخطر، هوية العالمين العربي والإسلامي، التي تتعرض لما هو أثقل بكثير من مجرد حروب، فوق ما تمثله مشاكل الدول الداخلية من فقر وبطالة وتجويع وغياب عدالة وعولمة ومسح لكل الذاكرة المتراكمة للمنطقة، وجعلها مفتوحة لكل شيء.



