حماس تغيَّرت إلى الأبد

محمد عايش

حرير- من المؤكد أن حركة حماس قد تغيرت إلى الأبد بعد هذه الحرب التي صمدت فيها الحركة لأكثر من عامين، رغم أنها أعنف حرب تخوضها دولة الاحتلال الاسرائيلي في تاريخها على الإطلاق. ومن المؤكد أن من لا يُدرك أن هذه الحركة قد تغيرت إلى الأبد، وأن مستقبلها لن يكون مثل ماضيها، فهو واهم ولا يُدرك ما يجري حوله.

خلال عامين من هذه الحرب اغتالت إسرائيل قيادة الحركة في الداخل بشكل كامل، وطالت الاغتيالات الجناحين السياسي والعسكري، وكذلك الحكومة المحلية، أو السلطة المدنية في غزة، كما اغتالت القائد العام للحركة الذي هو رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، ونفذت سلسلة اغتيالات أيضاً في لبنان، ما دفع الحركة إلى إنشاء «مجلس قيادة» بدلاً من اختيار خليفة لقائدها العام، وهذا يؤكد أن الحركة أمام تحول استراتيجي وتاريخي ومفصلي، ومن غير الممكن أن تظل على حالها كما كانت قبل هذه الحرب.

في هذه الحرب سجَّلت حماس صموداً أسطورياً غير متوقع، حيث إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان يتوقع أن تصمد أقل من ستة أشهر أمام حربه العنيفة، بل عندما أدلى نتنياهو بهذا التصريح في الأيام الأولى لهذه الحرب أثار جدلاً واسعاً في الأوساط كافة، إذ أن ستة شهور هي مدة طويلة جداً، ولا يُمكن لا لقطاع غزة ولا لحركة حماس الصمود لكل هذه المدة، ولا حتى لنصفها، فإذا بهذه الحرب تستمرُ عامين، من دون أن تنجح في القضاء على حركة حماس، ومن دون أن ينجح الإسرائيليون في استرداد ولو رهينة واحدة بالقوة، بل كل ما تم استرداده كان بالتفاوض والتبادل. ويُمكن القول، إن هذه الحرب انتهت إلى جملة من النتائج المتعلقة بحركة حماس ووجودها وهيكليتها، وأبرز هذه النتائج ما يلي:

أولاً: الصمود غير المتوقع لهذه الحركة ومقاتليها في غزة، يجعل من الصعب على العالم تجاوزها أو تجاهلها، بل يتجه العالم اليوم إلى الاعتراف بوجودها ولو كأمر واقع، أو بشكل غير مباشر، على غرار حركة طالبان في أفغانستان. وهذا إنجاز يُسجل للصمود الأسطوري الذي سجلته الحركة خلال الحرب.

ثانياً: لا بُد من مراجعة هيكلية الحركة ونظامها الداخلي وبنيتها التنظيمية، ونظام الأقاليم الثلاثة، الذي ربما لم يعد له معنى اليوم، وربما يكون بحاجة إلى تغيير، إذ أن هذا النظام ربما يكون السبب وراء خلق بعض الصراعات الداخلية والخلافات البينية التي ظهرت مؤخراً إلى العلن.

ثالثاً: كما انتهت هذه الحرب بتغيير المشهد الفلسطيني كاملاً، فلا بد من تغيير قيادي ونخبوي حقيقي واستراتيجي داخل الحركة، خاصة في جناحها السياسي، الذي لم تتغير رموزه ووجوهه منذ التأسيس، فقد آن الأوان لترك مراكز القيادة في الجناح السياسي للحركة من أجل أن يتولاها جيلٌ قيادي جديد، قد يكون لديه من التجديد ما لديه، وقد تكون لديه قدرة أكبر على الحركة.

رابعاً: ربما يكون من الضروري تخفيف وزن القيادة في الخارج، ونفوذها على الحركة.. والتجربة الفلسطينية في هذا المجال قديمة وقاسية؛ إذ منذ زمن الراحل ياسر عرفات، كانت القيادة الفلسطينية في الخارج أكثر تعرضاً للضغوط الدولية بما فيها ضغوط الدول المستضيفة، وهو ما لا يرغب الفلسطينيون بكل تأكيد أن يتكرر معهم بأن تُمارس الضغوط على حركة حماس من خلال قيادتها في الخارج.

خامساً: أثبتت الأيام والأسابيع الماضية، أن حركة حماس تتمتع بتنظيم منضبط قادر على الاستمرار في الحركة بشكل طبيعي حتى مع غياب قيادته، وهذا المشهد يتكرر لدى حماس للمرة الثانية في تاريخها، إذ في العامين 2003 و2004 اغتالت إسرائيل قيادة الحركة بشكل كامل تقريباً في الضفة والقطاع، وظن أرييل شارون في ذلك الحين أنه تمكن من القضاء عليها، لكنها سرعان ما أعادت تنظيم صفوفها، بل بعد ذلك بأقل من ثلاثة أعوام فقط كانت قد فازت في الانتخابات العامة، وتمكنت من السيطرة على قطاع غزة. والمشهد ذاته يتكرر اليوم بصورة أقسى وأعنف، ورغم ذلك فما زالت الحركة موجودة وقائمة.

والخلاصة هي أن حركة حماس تشهد هذه الأيام تحولاً استراتيجياً ومفصلياً وتاريخياً، وهذا التحول سوف يغير من شكلها إلى الأبد، كما أن المشهد الفلسطيني برمته قد تغير إلى الأبد، لكن مسار الأحداث طوال العامين الماضيين، يؤكد أن الحركة لم تنتهِ ولن تختفي وما تزال لديها القدرة على البقاء، وهذا ما اعترفت به جريدة «معاريف» الإسرائيلية عبر تقرير مطول قبل أيام.

 

مقالات ذات صلة