
بعد رفض ترامب… هل يتخلى نتنياهو عن ضم الضفة؟
إحسان الفقيه
حرير- في الوقت الذي تُلتقط فيه الأنفاس بعد عامين من حرب إسرائيلية مدمرة على قطاع غزة، وفي الوقت الذي تسير بنود خطة ترامب لوقف الحرب على شفا بركان، مارس الاحتلال عادته في تأزيم الأوضاع، حيث تم التصويت في الكنيست الأربعاء الماضي لصالح مشروعي قانونين لضم الضفة الغربية. جاء التصويت في الكنيست تزامنا مع زيارة جيه دي فانس نائب الرئيس الأمريكي لدولة الاحتلال، ما اعتبره فانس إهانة، واصفا التصويت بأنه مناورة سياسية غبية.
أصداء التصويت في الكنيست وردود الأفعال التي أعقبته، ظهرت مثيرة للجدل، حيث برز التباين والاختلاف في مواقف أبرز الشخصيات المرتبطة بهذه المسألة، ما يجعلها جديرة بالتفكيك والتأمل. من جهته، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أعقاب التصويت خلال مقابلة مع مجلة «التايم»، بأن ضم الضفة لن يحدث، موضحا أنه أعطى كلمته للدول العربية، ومؤكدا أن إسرائيل سوف تفقد دعم الولايات المتحدة إذا أقدمت على هذه الخطوة.
هذا التصريح المفاجئ للرئيس الأمريكي، يتعارض مع موقفه السابق من ضم الضفة إبان حملته الانتخابية، التي أطلق خلالها تصريحه المثير للجدل والذي تضمن استحقاق إسرائيل لتوسيع أرضها، ما فُسر بشكل قطعي حينها بأنه يعني ضم الضفة، إضافة إلى وعوده وتعهداته لممولي حملاته الانتخابية، أبرزهم ميريام أديلسون المليارديرة الإسرائيلية الأمريكية، بضم الضفة الغربية. حوْل ضم الضفة في الداخل الإسرائيلي، شن اليمين الإسرائيلي المتشدد النكير على الرئيس الأمريكي، بعد هذا التصريح، فوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، رفض هذه التصريحات الترامبية، مؤكدا أن إسرائيل ذات سيادة مستقلة، وليست ضمن وصاية الولايات المتحدة، بعد أيام من هجومه على ترامب بسبب حديثه عن الإفراج عن القيادي الفلسطيني الأسير في سجون الاحتلال مروان البرغوثي. أما وزير المالية الإسرائيلية اليميني بتسلئيل سموتريتش، فأعرب عن قناعته بأن ترامب سيغير رأيه بشأن مسألة ضم الضفة الغربية، وقال في تدوينة له: «مقتنع أنه تماما كما في قضية الأسرى، فإن الرئيس ترامب الذي هو صديق حقيقي لإسرائيل، سيغير رأيه عندما يفهم أهمية سيادة إسرائيل على أراضي يهودا والسامرة»، على حد زعمه، ويعني بها الضفة الغربية.
في سياق تباين المواقف في الداخل الإسرائيلي حول ضم الضفة، وخلافا لما أدلى به رفيقاه في اليمين المتشدد، اتخذ نتنياهو موقفا مرنا، وبعث رسالة طمأنة للرئيس الأمريكي، بعدم اعتزامه ضم الضفة، وحمّل المعارضة مسؤولية التصويت المثير للجدل، واعتبره استفزازا سياسيا متعمدا من قبل المعارضة، لإثارة الفتنة أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي لإسرائيل، رغم التصريحات المعلنة السابقة لنتنياهو، التي يصر فيها على ضم الضفة الغربية. هذا التباين في الداخل الإسرائيلي، والتباين كذلك في موقف ترامب السابق والآني، حيال ضم الاحتلال للضفة، هل يعني تخلي نتنياهو عن حلم السيطرة التامة على الضفة الغربية؟ وهل يعني أن موقف ترامب قد تغير بالفعل وتراجع عن دعم إسرائيل في قضية الضم؟ أما القيادة الإسرائيلية فنستطيع القول بيقين، أنها لم ولن تتخلى عن ضم الضفة الغربية وسائر فلسطين، للأسباب التي نؤكد عليها مرارا وتكرارا، فدولة الاحتلال لم تنشأ على أساس التعايش والمشاركة في منطقة جغرافية تسمى فلسطين، وليست احتلالا بالمعنى المألوف، إنما هي قضية إحلال تام للشعب اليهودي بدلا من الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين بأكملها، كنقطة انطلاق لمشروع أكبر في المحيط العربي، بما يسمى (إسرائيل الكبرى)، وهو حلم يخضع للتفسيرات التلمودية، التي استطاعت بها الصهيونية تجييش الطائفة وتعبئتها. التخلي عن ضم الضفة وابتلاع فلسطين كاملة يعني تفكك المشروع الصهيوني الجامع، وهو ما لن تقبل به إسرائيل.
لكن نتنياهو يجيد المناورة وفي رأسه إجراء لكل يوم ولكل فترة، فهو يعلم أن الحديث عن ضم الضفة في ظل تلك الأجواء الملتهبة لا يناسب المرحلة، ويضع الولايات المتحدة الراعي الرسمي لإسرائيل في موقف بالغ الحرج، خاصة بعد أن قاد ترامب عملية صناعة السلام في الشرق الأوسط وأصبح بطلا للسلام في أعين الكثيرين، بما تضمنته هذه العملية من الحديث عن حل الدولتين، الذي تنسفه قطعا عملية ضم الضفة.
أغلب الظن، أن ما يحدث في الداخل الإسرائيلي تكامل أدوار بين المؤيدين والمعارضين لضم الضفة، فإعلان نتنياهو الرفض يضعه على طريق الانسجام مع الموقف الأمريكي والعربي والدولي، وهو ما يحتاجه في هذه الفترة الحرجة. أما المؤيدون للضم فهم بذلك التأييد والتعبئة يبقون المسألة ساخنة في الذهنية الإسرائيلية والدولية أيضا، حتى يكون هناك ما يبني عليه نتنياهو حال توافر المناخ الملائم لضم الضفة. وما يؤكد عدم تخلي القيادة الإسرائيلية عن حلم ضم الضفة، أن الاحتلال بالفعل شرع على الأرض في إجراءات ضمها بشكل غير رسمي، وسارعت في ذلك منذ عام 2022 عندما تولى وزراء اليمين المتطرف مناصبهم، وقد أكد هذه الحقائق تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية يحمل عنوان «السيادة من دون اسم: إسرائيل تسارع لضم الضفة الغربية».
هناك زحف استيطاني ملموس، والفلسطينيون يطردون من أرضهم ويدفعون للعيش في أماكن معزولة خاضعة لقوات الاحتلال، ونقلت الحكومة الإسرائيلية الكثير من الصلاحيات في أجزاء من الضفة إلى السلطات المدنية الإسرائيلية لبسط نفوذها، بما يعني وفقا للتقارير ووفقا للأوضاع على الأرض، أن الاحتلال شرع بالفعل في ضم الضفة الغربية.
وأما ترامب، فموقفه الأخير لا يعني تراجعه عن دعم إسرائيل في ضم الضفة الغربية، وتهديداته للتخلي عن دعم إسرائيل حال ضم الضفة مجرد إجراء تكتيكي لا يعبر عن رؤية استراتيجية، فما بين أمريكا وإسرائيل يتجاوز حد الشراكة بكثير، وبقاء ترامب في سدة الحكم مرهون برضا الطائفة الإنجيلية المؤيدة لإسرائيل، التي تمثل قاعدته الانتخابية، ومرهون كذلك بقوة اللوبي الإسرائيلي والدولة العميقة، وكلها عوامل تمثل مادة بقاء ترامب.
يناور ترامب بإعلانه رفض الضم، حتى لا يبدد مكتسباته، جراء قيادة خطة وقف الحرب على غزة، وحفاظا على الصورة الإيجابية التي ظهر بها أمام شعبه والمجتمع الدولي، كما أنه لا يريد خسارة علاقاته مع الدول العربية، خاصة بعد الرسالة العربية الموحدة المتضمنة للعمل على حل الدولتين،
لذلك هي مسألة وقت، يناور ترامب، ويتماهى معه نتنياهو، واليمين الإسرائيلي من ناحية أخرى يُبقي مسألة الضم ساخنة قيد التناول، بينما نحن غارقون في أوهام الحل الأمريكي.



