
الملك في خطاب أردني
فهد الخيطان
حرير- افتتح الملك عبدالله الثاني أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة، أمس، بخطاب يمكن وصفه بالخطاب الأردني بعد حرب دامية في المنطقة استمرت لسنتين. خلاصة شهور طويلة ربما كانت هي الأصعب في تاريخ الأردن الحديث. حرب غيرت أحوال دول ومجتمعات، تركت خلفها واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية على مر التاريخ.
هي خلاصات عن الأردن والأردنيين الذين اجتازوا هذه المحنة، وهم يتمسكون بثوابتهم ومواقفهم، واستقرار وطنهم.
ليس سهلا على زعيم في الشرق الأوسط، المسكون بالحروب والأزمات على مر تاريخه، أن يخرج لشعبه بهذا القدر من الثقة بالنفس وبالمستقبل، لكن الملك عبدالله دون غيره من القادة في المنطقة يملك هذا الحق.
كانت الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة وعلى المنطقة امتحانا لقدرة الدول والزعامات على الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، كما وقف الأردن والملك، وحماية بلدانهم من شرور الحرب المجنونة.
لقد فعلها الملك باقتدار استثنائي. لم يتقدم أحد على الأردن في موقفه من غزة؛ سياسيا ودبلوماسيا، وإنسانيا. لم يكن هذا بلا كلفة. المسؤولون في غرف القرار الأردني اختبروا لحظات صعبة، كان فيها موقف الملك، حاسما وقاطعا، حين تعلق الأمر بموقف الأردن من الأشقاء الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، أو ما خص دور الأردن وأمنه واستقراره.
سنتان، شعر فيها الملك بالقلق، كما قال في خطابه، ومثله كان شعور الملايين من الأردنيين، قلق على مصير الأشقاء، وعلى مستقبل المنطقة، وتداعيات الحرب على بلدنا. لكن ذلك القلق كان مصدرا للثبات على الحق والموقف المنسجم مع مصالح أمتنا وشعبنا.
في الأزمات الكبرى والمحطات المفصلية، يختبر معدن القادة. في ما واجهنا خلال الحرب الأخيرة، كان الملك قائدا من فولاذ، دفاعا عن وطنه وشعبه.
أجزم أن كل كلمة قالها في خطابه أمس عن الأردنيين والجيش العربي والأجهزة الأمنية كانت صادقة ومن القلب.
لقد وجد الملك في خطاب العرش بهذا التوقيت، مناسبة ليعبر عن مشاعره تجاه شعبه وأهله، بعد عامين صعبين، اختبر فيهما العلاقة بينه وبين هذا الشعب، فكانت عند مستوى الثقة والأمل.
لم نطوِ مرحلة الحرب بكل فصولها بعد، فالمنطقة تحتاج لسنوات كي تداوي جراحها، هذا على فرض أن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل ستكف عن مواصلة نهجها العدواني، أو ترحل. لكن أما وقد توفرت عوامل لاستقرار نسبي في الإقليم، فقد حان الوقت لنجعل من تحدياتنا الداخلية، وأهدافنا الوطنية في التنمية والازدهار والتحديث أولوية لكل السلطات والمؤسسات، لنواصل مسيرة البناء.
الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة هي محطة مهمة؛ لمتابعة العمل على إنجاز التشريعات اللازمة لمسارات التحديث الاقتصادي، وتعزيز المنعة الوطنية. ولا بد من بناء شراكة بين مؤسسات الدولة، لا تنتقص من دورها، لضمان السير للأمام، فنحن كما قال الملك لا نملك ترف الوقت.
ولن يكون ذلك على حساب دورنا ومسؤولياتنا تجاه الأشقاء في غزة. الدور الإنساني والإغاثي الأردني سيتعاظم في المرحلة المقبلة، مثلما سيواصل الأردن إسناده للشعب الشقيق في سعيه للتحرر والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.
لا تقلقوا، الأردن قادر على عبور المرحلة، والمضي قدما إلى الأمام.



