
هل أصابت أم أخطأت حماس بالموافقة على خطة ترامب؟
د. مثنى عبد الله
حرير- إن قلت إن حماس أخطأت في الموافقة على خطة ترامب، فسيبرز لك أحدهم ليقول، وهل يمكن أن يبقى الأبرياء في غزة يُقتلون يوميا أو يموتون من الجوع وتُهدم دورهم، بسبب قرار خاطئ لم تستشرف حماس تداعياته ونتائجه المستقبلية؟ وإن قلت إن حماس أصابت في قرارها بالموافقة على الخطة، فسيبرز لك آخر ويقول، إذن لماذا غزت في السابع من أكتوبر، وبسبب ذلك استشهد أكثر من ستين ألف غزاوي وهدمت ممتلكات عامة وخاصة ومات الأطفال جوعا؟ يقينا أن كلا الفريقين ينظران إلى المشهد من زاوية مُعيّنة، وبذلك يفقدان خاصية شمولية الرؤية، التي هي الأساس في صواب الأحكام المُتخذة.
صحيح أن ما واجهه أهلنا في غزة من أهوال وكوارث ودمار وقتل وتهجير على مدى السنتين الماضيتين، لم يمر على أي شعب من الشعوب، منذ الحرب العالمية الثانية، لكن في الوقت نفسه، لم يكن الغزاويون ينعمون بالحياة الهانئة، فقد كانت غزة سجنا كبيرا، نزلاؤه أكثر من مليوني إنسان، وعلى الرغم من أنهم عاشوا في هذا السجن، إلا أن إسرائيل شنّت عليهم أكثر من 15 حربا، وفرضت عليهم حصارا قاسيا منذ عام 2007، ودمرت بيوتهم وقتلت النساء والأطفال وقطعت أرزاقهم. كل هذه دوافع طبيعية وواقعية تقود إلى ما نسميه في قاموسنا العربي والإسلامي بقرار النصر أو الشهادة، إذن المقتلة كانت مستمرة، لكنها منذ غزوة السابع من أكتوبر باتت مختلفة تماما في البشاعة والهمجية.
إن الواقع المأساوي الذي عاشه أهلنا في غزة قبل السابع من أكتوبر، شكّل ضغطا كبيرا على صانع القرار في حكومة حركة حماس، فقاد الى ذلك القرار، كما أن الواقع الذي عاشه الغزاويون بعد السابع من أكتوبر، هو الذي قاد إلى قرار الموافقة على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإذا كان الشعب الفلسطيني ليس في وارد الاستسلام، وصحيح أنه قدّم تضحيات لا حصر لها ودفع ثمنا هائلا، لكن خطة ترامب تزخر بعدم احترام لكرامة الإنسان الفلسطيني، من خلال عدم احترام حق تقرير المصير، وقيام دولته المستقلة. وهذا عقاب غير مُنصف له جاء على حساب معاقبة حركة حماس، التي جردتها الخطة من الحكم والسيطرة والوجود في غزة وكذلك من السلاح، وبذلك يرى البعض إن قبول حماس بخطة ترامب يعني أن القضية الفلسطينية ستعود عشرين عاما إلى الوراء، وسيعود الفلسطيني يبحث عن هويته من جديد، وعن مقبوليته في المجتمع الدولي، على الرغم من كل الاعترافات بالدولة الفلسطينية، أي لا قضية فلسطينية، ولا وحدة بين قطاع غزة والضفة الغربية، ولا حتى وجود للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، بينما كل الأجندة الإسرائيلية على الطاولة، والضوء الأخضر الأمريكي جاهز لإسرائيل لتفعل ما تشاء عند أول منعطف، فهل يُعقل أن تكون هذه الخطة مشروع سلام لفلسطين وللشرق الأوسط كما يروّجون؟
إن ما يجب قوله وبإنصاف شديد هو، أن وضع حركة حماس وضع حرج جدا، وقبولها بالخطة المطروحة، هو نتاج الوضع الميداني الصعب في غزة، أما من الجانب السياسي، فإن قبول الحركة بخطة ترامب، جاء ضمن سياق عربي وإقليمي، وليس ضمن سياق ذاتي للحركة فقط، لأن الأطراف العربية والإسلامية الذين اجتمعوا مع ترامب، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، هم الذين ضمنوا هذا الخطة ومشروعها السلمي. بالتالي عندما قبلت حماس بتسليم الورقة الأهم لديها في أولى جولات المفاوضات، وهم الأسرى الإسرائيليين، فإذا لم يكن هناك دور فاعل وحقيقي للأطراف الثمانية في موضوع إكمال مسيرة الخطة، فإن حركة حماس تكون قد حكمت على نفسها بالإعدام، وسلّمت كل ما تملك.
كما أن هامش التحرك لديها بات ضعيفا جدا، ولن تستطيع التحرك بالمستوى السابق نفسه، وإذا كانت قد خضعت لمطلب ترامب بتسليم الأسرى فورا، فإنها ربما ستحاول التركيز أكثر على المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو مستقبل قطاع غزة. وهذه المرحلة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدور العربي والإقليمي، وكذلك الدور الوطني الفلسطيني، فحماس ليست الوحيدة التي تحدد مصير قطاع غزة.. نعم هي طرف في هذا الموضوع بحكم الأمر الواقع، لكن من سيحكم القطاع لا بد أن يكون هناك تسلّمٌ للسلطة، والتسليّم هنا لا بد أن يكون مع حركة حماس. السؤال المهم هو، هل يمكن شطب حركة حماس من الجسم السياسي الفلسطيني بعد خطة ترامب؟ واهم من يعتقد أن حركة حماس قد انتهت، فهي حركة مهمة في التاريخ الحديث للقضية الفلسطينية. إن كل استطلاعات الرأي تشير الى إن حركة حماس، إن لم تكن الأولى في البناء السياسي الفلسطيني فهي الثانية بكل تأكيد. وعليه ووفق هذه المعادلة فلا يمكن تحييد حركة بهذا الوزن من المشهد السياسي والنضالي الفلسطيني، لكن من المؤكد يمكن تحييدها من مشهد الإدارة والحكم. وما يجب قوله بوضوح هو، أن هذه الحركة ومنذ عام 2023، بدأ الحديث في داخل أروقتها حول ضرورة الخروج من السلطة والحكم، لأن الدمار بات كبيرا جدا في غزة، وإن الإعمار لا يمكن أن يتم في ظل وجودها في السلطة، لأنها مُصنّفة على قوائم الإرهاب في الدول المانحة، مثل كندا واليابان وكذلك الاتحاد الأوروبي، وهذه الدول والمؤسسات تحجم عن تقديم المساعدات لها السبب، لذلك هي أعلنت في بيان واضح أنها ستترك الحكم والسلطة قبل طرح خطة ترامب.
إن كل من يفكر في اقتلاع حركة حماس من غزة، فمحاولته ضرب من الخيال، وسيفشل هذا السيناريو من أول خطوة، لأنه حتى لو غابت عن المشهد الغزاوي فإن أي انتخابات فلسطينية مقبلة سيفوز من تدعمه هي، حتى لو كان ليس من بين صفوفها، لكن قد يقول البعض، إن السابع من أكتوبر والعامين الماضيين، بكل ما فيهما من دمار وقتل وتهجير وتجويع وإبادة جماعية، سيتم تجييره ضدها من قبل المنافسين السياسيين في الساحة الفلسطينية، وسيعمل الكثير من الورش الفكرية على شيطنتها. نعم قد يكون هذا الحدث قد أكل من جرفها خاصة في غزة، واستطلاعات الرأي قالت بذلك منذ عام 2024، لكن حماس ليست موجودة في غزة وحدها. صحيح أن أغلب حاضنتها الشعبية في القطاع، لكنها موجودة في الضفة الغربية والقدس ومناطق أخرى في فلسطين. ووجودها خاصة في الضفة الغربية، يعني أن نفوذها لا يُستهان به بعد غزة، لان الضفة كتلة سكانية أكبر من الكتلة السكانية في القطاع.
أخيرا لعل السؤال الذي يمكن طرحه هو، لو كان الشهيد يحيى السنوار حيا، فهل كان سيقبل بخطة ترامب؟