الأردن بعد عامين على السابع من أكتوبر

فهد الخيطان

حرير- شظايا المسيرة التي سقطت في العقبة يوم الذكرى الثانية للسابع من أكتوبر، بمثابة تذكير بما يواجه الأردن من تحديات منذ عامين من الحرب الدامية على قطاع غزة، والتي اتسعت لتشمل دولا عديدة في الإقليم، وخارجه.

الذكرى وما تحمل من صور دامية لشرق أوسط استباحته إسرائيل على نحو غير مسبوق في كل حروبها، تعيد للأذهان شريطا من الوقائع والأحداث، كانت لتجعل من بلدنا ميدانا للحرب والدمار أو الفوضى الداخلية، لو لم نضع المصالح العليا للأردن في المقدمة، لنتمكن بعدها من أداء واجبنا نحو الأشقاء في محنتهم، بأفضل ما يمكن، ونتفرغ للمساهمة في صياغة سردية العالم حيال قضية الشعب الفلسطيني، في مواجهة رواية صهيونية متوحشة وظالمة.

ليس سهلا على مراقب بعيد أن يصدق أو يستوعب أن بلدا فتحت من حوله وفي أجوائه، جبهات حروب متعددة، ينجو من ويلاتها، ويواصل دوره المعهود على مسرح السياسة الدولية، وبعزيمة أقوى. حرب غيرت وجه الشرق الأوسط، أطاحت بقوى وأنظمة، وضربت في عواصم ما كان أحد يعتقد أنها ستكون يوما بمرمى النيران الإسرائيلية.

هذا لا يعني بالضرورة أن الأردن قد نجا تماما من تداعيات السابع من أكتوبر. فللمرة الأولى منذ عقود يشعر أن خطرا وشيكا يهدد كيان الدولة، مع تنامي العربدة الإسرائيلية في المنطقة، وسعيها لتنفيذ سيناريوهات الترانسفير في غزة والضفة الغربية، وسقوط ما كان يعرف بمعادلة المصالح، في العلاقة المعقدة بين الأردن وإسرائيل.

وعلى الجانب الآخر، أظهرت المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، مدى خطورة الجغرافيا الأردنية على استقرار البلاد. فبينما كان بمقدور الأردن أن يمنع إسرائيل من استخدام الأجواء الأردنية في هجماتها، لم تستجب طهران لطلب الأردن بتجنب ذلك. وفي حرب الـ12 يوما، اختبرنا أكثر من مرة تهديدا وشيكا وخطيرا لصواريخ إيرانية، كانت لتخلف خسائر بشرية ومادية في مدننا.

وسط هذه الظروف الاستثنائية والخطيرة، انتهج الأردن أسلوبا هجوميا في دبلوماسيته ولهجة سياسية شديدة لردع الاندفاعة الإسرائيلية التي لم تعد ترى في الدول المحيطة سوى أعداء يتحينون الفرصة للقضاء عليها. وكان عليه في الوقت نفسه أن يتحرك بذكاء لإدارة الغضب الشعبي في الشارع الأردني.

لكن ما ساعد بشكل فعال على ضمان المصلحة الأردنية، هو تمسك الدولة باستقرار الجبهة الداخلية، وصيانة أمنها، وعدم إعطاء حكومة نتنياهو أي ذريعة لاستهداف الأردن، وقطع الطريق على محاولات بعض الأطراف لتوريط الأردن في خيارات لن تجلب سوى الويلات للأردنيين.

ليس سرا أن العلاقات الأردنية المتينة مع الولايات المتحدة لعبت دورا في تأمين المصالح الأردنية، مثلما كان للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي دور مهم في تأمين هامش واسع للمناورة الدبلوماسية، سواء على الصعيد السياسي أو التعامل مع الجانب الإنساني من الأزمة في غزة.

بعد السابع من أكتوبر مباشرة، توجه الأردن لدول فاعلة بالإقليم لبناء شراكة عربية، لمواجهة ما كان متوقعا من أهوال ومخاطر. وفي غمرة هذه التحديات، وجدت هذه الدول أنها أقرب لبعضها بعضا من أي وقت مضى، إذ شهدنا تحسنا ملموسا في علاقاتها، كان له صدى ملحوظ على المسرح الإقليمي والدولي.

لم يكن هذا النهج بلا قيمة أو تقدير عند الأردنيين، ففي استطلاع غير مسبوق لمعهد السياسة والمجتمع، حول تصورات طلبة الجامعات الأردنية حيال الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط، أعرب 85 % عن رضاهم عن الموقف الرسمي الأردني من الحرب، واصفين السياسة الخارجية الأردنية بالحكمة والاتزان.

التحدي الماثل بعد سنتين، يتمثل في كيفية التعامل مع إسرائيل المتغطرسة والمهيمنة في المنطقة، واحتمالات جولة ثانية حاسمة من الحرب مع إيران، ذلك يعني أن المنطقة حولنا لم تغادر حالة الحرب.

مقالات ذات صلة