
المراجعة الرابعة مع الصندوق
سلامة الدرعاوي
حرير- تبدأ اليوم الأحد بعثة صندوق النقد الدولي مراجعتها الرابعة للبرنامج الهيكلي الموقع مع الأردن والممتد لأربع سنوات، في وقت يتزامن مع اقتراب الحكومة من تقديم مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2026 إلى مجلس النواب، والمتوقع أن يُعرض منتصف الشهر المقبل.
وتكتسب هذه المراجعة أهمية مضاعفة لكونها تأتي بعد أن استطاع الاقتصاد الوطني استيعاب التداعيات الثقيلة للحرب الإيرانية – الإسرائيلية، والتي ألقت بظلال قاتمة على قطاعات إستراتيجية، وفي مقدمتها قطاع الطاقة، فقد أدى توقف إمدادات الغاز لمدة أسبوعين تقريبًا إلى دفع الحكومة نحو بدائل وقود أعلى كلفة، لكنها نجحت في تلبية الطلب على الطاقة بسلاسة وأمان ودون انقطاعات.
الملف الأبرز على طاولة المراجعة سيكون مشروع موازنة 2026، الذي أوشك على الاكتمال، إذ يُنتظر أن يعكس توجهات واضحة في ضبط الإنفاق والعجز، وتعزيز الإيرادات، والسير نحو تحقيق نمو اقتصادي حقيقي يقدر بنحو 3 %.
الحكومة لم تنتظر وصول بعثة الصندوق، بل بادرت خلال الأشهر الماضية إلى تنفيذ سلسلة إجراءات تصحيحية، أبرزها في قطاع المركبات، حيث أغلقت الباب أمام أي تغييرات عشوائية في هيكل الرسوم الجمركية والضرائب، لتضمن استدامة نشاط هذا القطاع الذي يرفد الخزينة بأكثر من 200 مليون دينار سنويًا.
ومع ذلك، لا تزال الحاجة قائمة لإصلاحات هيكلية في قطاعات أخرى لا تمس الأمن المعيشي للمواطنين، وفي مقدمتها مراجعة أسعار بعض السلع غير الأساسية، وإعادة النظر في التعرفة الجمركية التي كبّدت الخزينة خلال الأعوام الثلاثة الماضية خسائر تجاوزت المليار دينار بسبب التخفيضات غير المبررة، والتي انعكست سلبًا أيضًا على القطاع الصناعي.
أما العجز الأولي– بعد استثناء خدمة الدين– والمقدر هذا العام بنحو 812 مليون دينار، فإنه وإن كان تحقيقه صعبًا في ظل تحديات الإقليم، إلا أن الفجوة بين المقدر والفعلي قد تضيق لتصل إلى حدود 150 مليون دينار فقط، وهنا تقع الكرة في ملعب الحكومة لتحقيق إنجاز نوعي عبر ضبط النفقات ذات القيمة المضافة المنخفضة أو المعدومة، وهي كثيرة في بنود الموازنة.
الموازنة المقبلة لن تكون أقل تعقيدًا، إذ يُتوقع أن يكون العجز الأولي أقل من العام الحالي، لكن تحقيق ذلك سيصطدم بضغوط مالية متراكمة قد تدفع الحكومة إلى إجراءات إضافية، ما ينعكس على قدرتها في بلوغ معدلات النمو المستهدفة.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى تفاوض مرن مع الصندوق بشأن المؤشرات المالية، وخاصة العجز، للوصول إلى موازنة أكثر واقعية وقادرة على التعامل مع أي طارئ تمويلي كما حدث في العامين الماضيين.
وتأتي المراجعة الرابعة أيضًا متزامنة مع مراجعة برنامج تسهيل المرونة المستدامة الذي أُقر مطلع العام الحالي، والذي سيتيح للأردن تسهيلات جديدة بحدود 700 مليون دينار، ومن المتوقع أن تضيف هذه المراجعة ما بين 60 و70 مليون دولار إلى الدفعة المستحقة من الصندوق والبالغة نحو 140 مليون دولار.
في المحصلة، ستمكن هذه المراجعة الأردن من دخول سوق السندات بوضع ائتماني أفضل، لا سيما مع استحقاق مليار دولار من السندات بداية العام المقبل، ومع التوجهات العالمية التي تشير إلى احتمالية تراجع أسعار الفائدة، وهو ما يمنح المملكة نافذة تمويلية أكثر مرونة في المرحلة المقبلة.