مات ترامب عاش ترامب!

د. صبري صيدم

حرير- انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي على تعددها، بغياب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن المشهد السياسي، وهو الذي طالما ملأ الدنيا وشغل الناس بحضوره وتصريحاته. البعض انشغل ببث التوقعات وإسنادها إلى تصريحات، أو مواقف، أو حتى مسلسلات تلفزيونية، كانت قد تنبأت بموت ترامب مع نهاية أغسطس أو بداية سبتمبر.

وقد شكل الظهور الأخير لترامب نهاية الشهر الماضي، وتعبه الواضح وتوّرم قدميه ووجود بقعة سوداء على يده اليمنى، منصة مهمة لتوّلد القناعة بأن الرجل ليس بخير، بل ذهب البعض للاقتناع بأنه على وشك الوفاة، بينما ذهب البعض الآخر إلى حد الاستعانة بالأطباء، لمساعدتهم في التحقق من الأمر. هناك كان ما كان من فتاوى ذهبت في كل الاتجاهات. هذا الأمر دفع المتحدثة باسم البيت الأبيض لتلاوة بيان صحافي أعد سابقاً يتناول صحة ترامب، مؤكدة أنه بخير ومفندةً كل ما قيل.

وفي أوج النقاش المحتدم حول صحة حجة كل طرف، وتنامي الإقبال على هاشتاغ أين ترامب؟ قررت شخصياً فحص الأمر من طرفي عبر الاستفسار من طبيب مهني في إحدى عواصم الغرب. الطبيب الإنسان كان واضحاً فقال: لقد تم تداول هذا الأمر (اختفاء ترامب) بكثافة ملحوظة، خاصة مع ملاحظة الكثير من الأطباء تورم كاحليه، وظهور بُقع على يديه، وهنا أقول وبصراحة إن ما ذكرته المتحدثة باسم البيت الأبيض هو كلام طبي منطقي ومقنع، خاصة أن ترامب على ما يبدو، يتناول أدوية لعلاج الضغط، إضافة إلى أحد مميعات الدم. هذه الحزمة من الأدوية غالباً ما تكون أحد الأسباب الرئيسية لتورم الكاحلين، وظهور الندب على سطح جلد يدي شخصٍ متقدم في العمر كترامب، كما أن التحاليل والصور التي ذكرتها المتحدثة هي بالفعل ما نطلبه كأطباء لتشخيص حالة مماثلة لترامب. لذلك فإن إفادة الناطقة باسم البيت الأبيض، قد لا تكون نموذجية، ولكنها في حدود المعقول والمقبول. أضف إلى ذلك أن ترامب طويل القامة وضخم الهامة وهو ما يجعل أدوية الضغط، ومنها موّسعات الشرايين تتسبب مع الدورة الدموية الوريدية، ببعض حالات الانتفاخ والتوّرم. كلام طبيبنا هذا وغيره من الأطباء مهما بلغت مهنيتهم، لم يوقف سيل التوقعات والتكهنات والشكوك، رغم ظهور ترامب عن بعد وهو يصعد إلى الموكب الرئاسي، متوجهاً للعب الغولف في عطلة نهاية الاسبوع الماضي، كما جرت العادة. ولعل السبب الأوضح إزاء حديث الكثيرين عن موت الرئيس، وما قابله من تأكيد أن ترامب على قيد الحياة، إنما يستند للأمنيات والعواطف في معظمه، وليس إلى أرضية علمية واضحة.

مات ترامب أو عاش ترامب، فإن الأمر للخالق، إلا أن إدارة الموضوع برمته لم ترتق إلى صرامة الأنظمة الشمولية، وقدرتها على التكتم وفرض ستار حديدي على الأخبار، حيث زاد دخول نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس على الخط من صخب التوقعات والتكهنات.

فانس المستعجل على الحكم، سارع لتقديم أوراق اعتماده للشعب الأمريكي، بزعمه أن فترة المئتي يوم التي قضاها في الحكم بصفته نائباً لترامب، شكلت فرصة ذهبية لإكسابه الخبرة الكافية لقيادة البلاد في حال شغر منصب الرئيس، حسب قوله. ظهور تصريح كهذا مستغرب للغاية، لا لصراحته التي قد تزعج ترامب، ولا لبثه للمزيد من الشك فحسب، بل لكونه ما كان ليظهر في أنظمة حكم حديدية سابقة أو قائمة، وهو ما قد يثير حفيظة الرئيس الأمريكي، في حال كان على قيد الحياة، ويقود البلاد نحو حالة من التنافر الإعلامي، تتساوى أو تزيد عن الحرب الطاحنة التي اشتعلت بين ترامب وحليفه السابق إيلون ماسك.

مات ترامب أو عاش ترامب، أمر ربما لا يهم معظم البشر، لكنه حتماً سيشغل الإسرائيليين، الذين سارع أحد ساستهم للقول، إن على إسرائيل مسارعة الخطى لضم الضفة الغربية، وتحقيق رغباتها في المنطقة في عهد ترامب، بينما قيل وفي عدة مناسبات، إن ترامب هو أقرب رؤساء أمريكا لإسرائيل. الأمر لم يقف عند هذا الحد بل قيل على لسان أحدهم ذات يوم: إن ترامب إنما هو بمثابة هبة الله لإسرائيل .

الأعمار بيد الله لا محالة، وكذلك أعمار كل الذين قتلوا في قطاع غزة والضفة الغربية في العامين الماضيين، خاصة من ارتقوا في عهد ترامب بفعل صنوف الدعم والسلاح الذي وفرته أمريكا، ودعمها اللامتناهي لطموحات نتنياهو وعصابته، عند الخالق ستجتمع الخصوم لا محالة، وعندها ينفذ أمر الواحد القهار. فهل يستفيق ترامب العائد من الموت، ليصلح مسار التاريخ، أم تستمر مسيرة التماهي مع الاحتلال ونزواته؟ ننتظر ونرى!

مقالات ذات صلة