
حصرية السلاح اختبار لنيّات إسرائيل حيال لبنان
رندة حيدر
حرير- تحوّل القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية في 7 أغسطس/ آب الجاري، بشأن حصرية السلاح في يد الدولة ضمن إطار تطبيق بنود خطة أميركية لتثبيت وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، إلى اختبار متعدّد الأوجه، يضع لبنان بأكمله أمام مفترق طرق خطر وصعب، فالتزام الحكومة اللبنانية تطبيق القرار، وتكليف الجيش وضع خطّة من أجل تحقيق هذا الهدف مع نهاية العام، اختبار أساسي جوهري لرئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والجيش اللبناني في آن معاً. ويُبقي التصدّي لهذه المهمّة الشاقة بالاعتماد على قرار حكومي يتحفّظ عليه الوزراء الشيعة الباب مفتوحاً على شتى الاحتمالات التي تتأرجح بين مقاطعة الوزراء الشيعة جلسات مجلس الوزراء احتجاجاً على القرار، وصولاً إلى الاستقالة منها كما حدث عام 2010 مع حكومة الرئيس سعد الحريري، ما يعني سقوط الحكومة، فضلاً عن المخاطر المترتّبة عن احتمال وقوع مواجهات بين حزب الله والجيش اللبناني اذا ما أصر الحزب على رفض القرار.
من جهة أخرى، تنفيذ القرار والمضي في تطبيق ورقة الموفد الأميركي توم برّاك، هو اختبار حقيقي للنيات الإسرائيلية إزاء لبنان، فالخطة تتحدّث عن خطوات متزامنة، وبعد قرار الحكومة اللبنانية بالموافقة على نزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني وشماله، المطلوب حالياً خطوة إسرائيلية مقابلة من نوع إعلان وقف الهجمات الإسرائيلية على لبنان مثلاً. ولم يظهر بعد في الأفق ما يوحي بوجود نية إسرائيلية جدّية لوقف هذه الهجمات.
وفي الواقع، وعلى الرغم من الترحيب الإسرائيلي بالقرار اللبناني، والحديث في وسائل الإعلام العبرية عن مرحلة جديدة في لبنان، يبدو أن الملف اللبناني ما يزال معلقاً في إسرائيل، في انتظار ما سيحدُث من تطوّرات، مع تشاؤم إسرائيلي ضمني بشأن قدرة الدولة اللبنانية على بسط سيطرتها على كامل أراضيها. ولا يخفى على أحد أن الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تسيطر عليها أحزابٌ مسيانيةٌ ذات رؤى توسعية ترى في استمرار الحرب ضد “حماس” وحزب الله ضرورة للدفاع عن وجود إسرائيل، هي حكومة لا تثق كثيراً بالاتفاقات السياسية، ولا بقدرات الدولة اللبنانية، وهي تتعامل مع الخطة الأميركية بكثير من الدبلوماسية والحذر، بينما تواصل على الأرض تطبيق وقف إطلاق النار على طريقتها، أي بالقوة العسكرية.
وهنا لا بد من التذكير بأن سابقة المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل التي جرت في 2022 من خلال الوسيط الأميركي، عاموس هوكشتاين، تكللت بالنجاح، جرت في عهد حكومة التغيير الإسرائيلية التي ترأسها بالمداورة نفتالي بينت زعيم حزب اليمين العلماني ويائير لبيد زعيم حزب “يوجد مستقبل” الوسطي. وعندما وصل نتنياهو إلى رئاسة الحكومة طالبت أطرافٌ في ائتلافه بإعادة النظر في الاتفاق، فضلاً عن أن نتنياهو نفسه اعتبر الاتفاق هزيمة لإسرائيل وقبولاً بإملاءات حزب الله. وكل هذا للقول إن التعويل الإسرائيلي على الحلول الدبلوماسية لنزع سلاح حزب الله ضئيلٌ وموضع تشكيك دائم.
يعود عدم ثقة إسرائيل في إمكانية نجاح الدولة اللبنانية في بسط سيطرتها على كامل أراضيها إلى قناعتها بأن موضوع سلاح حزب الله ليس داخلياً لبنانياً بقدر ما له علاقة بإيران، مسلح الحزب ومموّله. وثمة اعتقاد إسرائيلي بأن هامش استقلالية حزب الله بعد اغتيال الأمين العام السابق، حسن نصر الله، على يد إسرائيل في سبتمبر/ أيلول الماضي قد تضاءل كثيراً، وأن الحزب واقع حالياً تحت وصاية إيرانية خالصة، ولا يمكن أن يتخذ قراراً مصيرياً من هذا النوع من دون موافقة القيادة في طهران.
ومن أجل فهمٍ أعمق للنيات الإسرائيلية، تكفي حملة إسرائيل ضد التجديد لقوات الأمم المتحدة (يونيفيل) في جنوب لبنان بدعم من إدارة ترامب، والمفترض التجديد لها في نهاية أغسطس/ آب الحالي. لا تريد إسرائيل وجوداً لقوات دولية في جنوب لبنان، وإنما هامشاً أكبر من حرية العمل العسكري في حال فشلت السلطات اللبنانية في حصر السلاح في يدها، وتجدّد نشاط حزب الله العسكري في جنوب لبنان. ويكفي، من أجل توقّع الآتي، أن نرى ما فعلته إسرائيل على الحدود مع سورية وتوغلها في المنطقة العازلة في هضبة الجولان.
في ظل هذا التشكيك الإسرائيلي والأجواء المشحونة، تخدم الحملة التي يخوضها حزب الله دفاعاً عن تمسّكه بسلاحه، بصورة مباشرة، التوجّهات الإسرائيلية المشكّكة في قدرة الدولة اللبنانية على بسط سيطرتها على كامل أراضيها. وليست هذه الحملة مؤذية للدولة اللبنانية بقدر ما هي مؤذية لمكانة الحزب وصورته. ترهيبه الطائفة الشيعية التي دفعت الثمن الأكبر في حرب إسناد غزّة أخيراً، من أن تخليه عن سلاحه سيجعلهم لقمة سائغة للتنظيمات الجهادية الإسلامية في سورية، يقزّم من أهمية هذا السلاح دوره في الماضي والحاضر. كما تضع الحملات التحريضية ضد رئيس الحكومة نواف سلام، مع التهديد باللجوء إلى الشارع، لبنان كله في مهبّ الفوضى والعنف، ويُضعف هيبة الدولة ويضرب الثقة بالجيش اللبناني، والأخطر أنه يطيل أمد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، ويعرقل عملية إعادة الاعمار. وسيتيح لإسرائيل المضي في تطبيق عقيدتها بشأن الحرب المفتوحة والمستمرّة التي تنتهجها حيال قطاع غزّة ولبنان وإيران.



