بين القمع العربي وهلع الاحتلال: ما جدوى التظاهر؟

محمد عايش

حرير- لو كانت المظاهرات السلمية المؤيدة للفلسطينيين، التي تملأ الشوارع في عواصم العالم لا قيمة لها، ولا تقدم شيئاً أو تؤخر، لما التفت لها الإسرائيليون وهم في عز حربهم على قطاع غزة، وفي غمرة انشغالهم بالأزمة الداخلية التي تعصف بتل أبيب، لكنَّ الحقيقة أن الحراك الشعبي السلمي، الذي يخرج بين الحين والآخر هنا وهناك له أثر كبير في هذه المعركة.

يحلو للبعض في عالمنا العربي التقليل من أهمية التظاهرات في الشارع، والتسخيف منها، والقول إنها دون أي فائدة، وأنَّ الأفضل من التظاهر والاحتجاج والتعبير عن الرأي هو تقديم المعونات العينية والمساعدات والتبرعات النقدية، من أجل مكافحة المجاعة في غزة، والتصدي لعدوان الاحتلال، وكأن الجمع بين الاثنين غير ممكن، أو كأن الناس لا يستطيعون المشاركة في مسيرة سلمية، ثم التبرع بما يستطيعون من المال لنصرة غزة!

وبطبيعة الحال، من المعلوم أن هذه الأصوات التي تتردد بين الحين والآخر في بعض أقطارنا العربية، إنما مردها الحقيقي هو أنها تريد التبرير للنظام السياسي الذي يقوم بمنع المظاهرات والمسيرات السلمية، ويقوم بقمع من يعبرون عن آرائهم، ويقوم باعتقال ومعاقبة من يتضامنون سلمياً مع غزة، وهذه الأنظمة هي التي تروج لطروحات التقليل من جدوى الاحتجاجات والتظاهرات، والتسخيف من الكلام والتعبير عن الرأي الذي يقوم به الناس الغلابة في هذه الدول. ولو أن هذه التظاهرات السلمية والاحتجاجات الكلامية بلا فائدة، لما ارتعبت منها إسرائيل؛ فقبل أيام قليلة خرج عشرات الآلاف في شوارع مدينة سيدني الأسترالية، التي هي أبعد بقعة في الكون عن فلسطين المحتلة، ومع ذلك فإن أصوات المتظاهرين هناك سُمع صداها في تل أبيب، عندما سارع كل من وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، وزعيم المعارضة يائير لابيد، إلى التعليق على هذه التظاهرة وانتقادها، وكيل الاتهامات لها ولمنظميها.

وزعم ساعر، في تدوينة باللغة الإنكليزية على شبكة «أكس» بأن «التحالف المشوَّه بين اليسار الراديكالي والإسلام الأصولي يجر الغرب للأسف إلى هامش التاريخ»، في محاولة للتحريض على هذه التظاهرة وما يشبهها في العالم الغربي، وهو ما يُعبر عن حجم القلق من التحول الكبير في الرأي العام العالمي. أما زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد فهاجم المتظاهرين في سيدني أيضاً، وزعم أنهم «ساروا تحت رايات طالبان والقاعدة». وقال لابيد: «إلى المتظاهرين في سيدني، الذين ساروا تحت رايات طالبان والقاعدة، فقط للتأكد، هل تدركون أنكم تظاهرتم دعماً لقتل أفراد مجتمع الميم، ولضرب النساء واضطهادهن، وللاعتداء الجنسي كسلاح في الحروب، ولخطف الأطفال؟».

ردود الفعل الاسرائيلية هي دليل قاطع على أن أصوات المحتجين تصل إلى أهدافها، ودليل على أن هذه التظاهرات هي تعبير عن تحول عالمي كبير وبالغ الأهمية وهذا التحول يفهمه الاسرائيليون ويقرؤونه جيداً، ولذلك يعبرون عن غضبهم منه ومما يجري. والحالُ ذاته بطبيعة الحال في العالم العربي، الذي تشكل التظاهرات فيه تحركاً بالغ الأهمية من أجل مناصرة الفلسطينيين، والتعبير عن الغضب مما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي. ليس معقولاً أن يخرج الناس بعشرات ومئات الآلاف في شوارع العواصم الغربية، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، بينما تغيب مثل هذه الاحتجاجات والفعاليات عن العواصم العربية، وليس معقولاً أن تقوم أنظمة عربية بقمع شعوبها عندما تتضامن مع الفلسطينيين، وهو تضامن لا يتناقض مع هذه الأنظمة ولا يُشكل تهديداً لها. كما إنه من غير المعقول أيضاً التعامل مع من يُعبر عن رأيه على أنه مجرم، والتعامل مع التعبير السلمي عن الرأي على أنه تهديد للأمن والسلم العام في أي بلد من بلداننا، لأن هذا استخفاف بعقول الناس وتدليس عليهم ومحاولة لمصادرة حقهم في التعبير والكلام دون وجه حق.

مقالات ذات صلة