
زيارة ترامب: ثلاثية الاستقرار فالاستثمار فالاستمرار
بيير لوي ريمون
حرير- بكل تأكيد، ستجد حشدا غفيرا من المراقبين يحدثونك عن زيارة ترامب إلى دول منطقة الخليج، بالمعايير المعتادة، بالصفات المعتمدة وبالأفكار الجاهزة المطروقة. وليس هدف هذا المقال الدفاع عن توجهات ترامب الدبلوماسية، ولا مهاجمتها، بل الهدف تحليلي في الأساس، أو بالأحرى، تحليل منطق. ثلاث دول خليجية أساسية مفتاحية: المملكة العربية السعودية المعروفة بنشاطها الدبلوماسي في المنطقة، قطر، المشهود لها بوساطاتها التفاوضية، والإمارات، التي تشتهر بميولها لأحدث التطورات التكنولوجية. ثلاث دول معنية بالصفقات.. أما بعد؟ بيت القصيد تحديدا في «أما بعد» هذه، إن عبارات معروفة مثل «دبلوماسية الدولارات» وما شابهها لا تكفي لتحديد توجه على المدى الطويل.
صحيح، أن الاستثمارات الاقتصادية والرهان على المستقبل التكنولوجي، جزء من الخطوة.. ولكنه جزء فقط. وإذا كنا نمضي قدما فنتحدث عن استحداث ديناميات عمل جديدة، عبر فرص شغل مبتكرة نكون عند ذاك قد اقتربنا من تحديد دقيق، لكن هذا لا يكفي أيضا. لا يكفي لأن الدبلوماسية هيأ كثر من وجهي عملة واحدة، إنها عملة وجهاها متلازمان متضافران. وهنا يوجد فارق، فارق بين أن تتحدث عن وجهي العملة، وأن تتحدث عن العملة نفسها. فغالبا ما يصطدم الحديث عن وجهي العملة بجرد محبط لمحاسن مخطط ما ومساوئه، ويتوقف الأمر هنا، عند مقاربة كلاسيكية تنتهي بخلاصة من صنف أهون الشرين، لكن صنف الدبلوماسية، مهما كلفها من الدولارات، أسمى وأرقى، وهنا أمكن الحديث عن «عملة».
العملة طرح وتداول، ولهاتين الكلمتين أهمية بالغة، فالطرح والتداول شرطان لتعاملات ناجحة، والتعاملات بالعملة، خلافا لمعتقد سائد وراسخ، تتجاوز التعاملات المالية. لنتذكر هنا المدلول الأصلي لكلمتي «مالي» و»مالية» في اللغة اللاتينية القديمة»، فالكلمة مبنية على فكرة «الثقة» (fides) وفيها تؤصل الطرح. الطرح، أكيد، في بيئة اقتصادية مستقرة لكن ليس فقط، أيضا في بيئة مستعدة للتعامل الدبلوماسي الفعال، أكيد أيضا، الدبلوماسية الفاعلة تنتج عن الاستقرار الاقتصادي والاستقرار السياسي، العلاقة متلازمة بين القطبين.
لكن يبدأ الخطأ حين ننطلق في انتقاد هذا الواقع بترجيح محور الأخلاقيات على محور البراغماتية، بل أكثر عندما ننسى أن هذه البراغماتية معيار لإقامة نماذج لنمو البلدان. فالخطوات الدبلوماسية، التي وصفناها بالـ»مفاجئة» خلال حديثنا سابقا عن استقبال الرئيس ماكرون للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وأيضا الخطوة المفاجئة التي تمثلت في استقبال ترامب للشرع في الرياض، كلاهما يندرج في هذه القراءة، قراءة أن أي تعامل دبلوماسي يراد له أن يكون فعالا ينطلق من الرهان على الاستقرار الذي يشرط الاستثمار. رحلة ترامب الخليجية ليست مدعاة لتوصيفات متسرعة، بل هي تجسيد لمقاربة تقليدية قائمة على ثلاثية الاستقرار فالاستثمار فالاستمرار، وبذا تتحقق إجرائية الدبلوماسية الفاعلة القابلة للتداول، كالعملة القوية.



