
كل قطرة دم تقتل جينات الرجولة والكرامة والنخوة
مجدى حسين
المصريون تعرضوا لغسيل مخ عمره نصف قرن بعمر كامب ديفيد .. انظر لعبقرية المثل الشعبى ” الدوى على الودان أمر من السحر ” الأمثال الشعبية مخازن معرفية للشعوب ، معرفة متراكمة عبر العقود والقرون ، لذلك يرتفع بعضها إلى مستوى القانون العلمى .معظم الشعب المصرى ونخبته من خلال التطور الاعلامى بكل مراحله أصبح أسيرا لفكرة الزواج الكاثوليكى مع اسرائيل وأمريكا لا طلاق فيه . بينما فى عام 1940 عندما قال أمين عثمان هذه العبارة عن علاقة مصر بانجلترا دفع حياته ثمنا لها . واعتبر الرئيس السادات بطلا قوميا لأنه شارك فى عملية اغتياله !
أتوقف اليوم عند آخر مراحل كامب ديفيد ، آخر 17 شهرا بدءا من طوفان الأقصى الذى أعاد العزة والبطولة والشموخ للأمة . تم تركيز الموقف السياسى والاعلامى ، على أرضية قدسية كامب ديفيد ، بحيث اصبحنا لا نتخيل مصر بدونها . بل لقد ولدت أجيال لا تعرف مصر بدون كامب ديفيد والعلاقة الكاثوليكية المثلثة : المصرية الاسرائيلية الامريكية ، ولا تتخيل أن تعيش بدونها . فقد علموا الأجيال الصاعدة : إن إلغاء كامب ديفيد يعرض مصر للضياع لأن فى ذلك خرق للقانون الدولى الذى تحترمه كل دول العالم . إلغاء كامب ديفيد سيعنى ضياع مصر اقتصاديا ، على أساس أن أوضاعنا الاقتصادية جد باهرة وهى من حسن إلى أحسن منذ ألتقى السادات بكيسنجر فى أواخر عام 1973 ووضعا أساس العلاقة الاستراتيجية بين البلدين . لو ألغينا كامب ديفيد سنتضور جوعا ، وسنتحطم مثل سوريا والعراق وليبيا والسودان لأنها رفضت هذا القيد الذهبى . رغم أن هذه البلاد كلما توجهت مؤخرا للعلاقة المقدسة مع أمريكا واسرائيل أو أحدهما تحطمت أكثر .
وتفرع عن هذه القدسية فى مصر ان اسرائيل وأمريكا مهما فعلتا فى أشقائنا وعلى حدودنا ، فإن قطع العلاقات معهما نوع من الجنون . وقد تكرهمها ولكنهما أشبه بالدواء المر لا فكاك منه للبقاء على قيد الحياة والاحتفاظ بمكانتك بين الأمم . بل لابد من تحملهما مهما فعلا فى مصر ذاتها من تخريب فى مجال التربة والصحة والغذاء والتعليم ، فالعالم كما تعرف أصبح كالقرية الصغيرة . وقصة التطبيع الزراعى الذى أنهك مصر وفقا لرأى المحاكم وتقارير المخابرات المصرية ودعك من إدعاءات جريدة الشعب حتى وإن كانت صحيحة ، قصة التطبيع الزراعى رمز لما فعله الثنائى الأمريكى الاسرائيلى فى أعماق البلاد . حتى أصبح السرطان مرضا شائعا ينافس الانفلونزا .
غزة تسيل دماؤها كل يوم منذ 17 شهرا . آخر تقرير أممى يتحدث عن مقتل طفل كل 8 دقائق . الغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود مقطوعة تماما منذ أول الشهر الفضيل . ولكننا نواصل حياتنا بصورة اعتيادية . الموقف الرسمى رفض التهجير إلى سيناء وهذا موقف جيد أيدناه جميعا . ولكن هل يمكن أن نصمت على إبادة الفلسطينيين عن بكرة أبيهم فى غزة كبديل للتهجير ؟
إن كل قطرة دم تراق فى غزة منذ 17 شهرا .. كل قطرة دم تراق فى رمضان لأنها تأتى على كل التراكمات السابقة تقتل جينات الرجولة والكرامة والنخوة فى المصريين . أشعر بالحزن والقلق على المصريين أكثر من أهل غزة ، فهؤلاء يقاومون ويستشهدون ، ونحن نتحول إلى كائنات من الشمع .
إن مواصلة الوقفات السلمية – التى كانت قد توقفت منذ عدة شهور – هى أضعف الايمان .