في يوم المرأة العالمي: احتفالات في القاعات ومعاناة في الميدان

عبد الحميد صيام

حرير- مقر الأمم المتحدة هذه الأيام أشبه بخلية النحل. تتحرك مئات النساء في كل اتجاه ولا تكاد تخلو غرفة اجتماعات من أنشطة نسائية متلاحقة، تتعلق بوضع المرأة في كل بلد وبحقوق النساء على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي. الوفود الرسمية تقدم صورا زاهية لإنجازات المرأة في بلدانها، ومنظمات المجتمع المدني تعرض الصورة الأخرى التي تناهض، أو تخالف ما تطرحه ممثلات الدولة.

فبمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 8 مارس، تنعقد دورة «لجنة وضع المرأة التاسعة والستون، التي ترأسها المملكة العربية السعودية، بعد ثلاثين سنة من مؤتمر بيجين الذي أقر فيه ممثلون وممثلات عن 189 دولة و30 ألف مشاركة عن منظمات مدنية، عام 1995 خريطة عالمية تسمى «بيان ومنهاج عمل بيجين» للنهوض بالمرأة ورفع الغبن عنها وتمكينها وإدماجها في عملية التنمية ومناهضة العنف ضدها ومنحها الحقوق الممنوحة للرجال، وتغيير القوانين التي تهضم حقها، وتثبت مواقعها الدونية والعمل على رفع مستوى تمثيلها في المجالس التشريعية والمناصب الحكومية الرفيعة، وفتح المجالات جميعها لتصل بكفاءتها سلم الهرم في السلطة. لذلك تكتسي هذه الدورة أهمية إضافية، حيث مطلوب من كل دولة أن تقدم تقريرا حول التقدم الذي أحرزته، على طريق تنفيذ بيان منهاج عمل بيجين. تركز الدورة بشكل رئيسي على استعراض وتقييم تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيجين وتقييمً التحديات الراهنة التي تؤثر على التنفيذ الشامل لمنهاج العمل، وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ومساهمته في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بالكامل.

المرأة عالميا

رغم أن هناك تقدما ملحوظا تقريبا في جميع المجالات، التي أشار إليها منهاج عمل بيجين مثل التشريعات المنصفة للمرأة، والتعليم، والصحة، وانخفاض عدد الوفيات، وانخفاض نسبة العنف ضد المرأة، إلا أن البون ما زال شاسعا في موضوع المساواة بين الجنسين. كما ورد في التقرير حول المساواة بين الجنسين عام 2024، تعيش حوالي 9.8% من النساء والفتيات في فقر مدقع. وبينما يُعد هذا تحسنا طفيفا منذ ذروة الجائحة عام 2020، إلا أنه بالمعدل الحالي للتقدم، سيستغرق القضاء على الفقر المدقع للنساء والفتيات 137 عاما أخرى. وظلت الفجوة بين الجنسين في المشاركة في القوى العاملة، التي تبلغ حوالي 30%، راكدة لمدة 20 عاما، حيث بلغت نسبة النساء العاملات 63% في عام 2022 و92% للرجال، مقارنة بنسبة 64% للنساء و94% للرجال في عام 2002. وبينما انخفض معدل وفيات الأمهات على مدى العقدين الماضيين، إلا أنه في السنوات الأخيرة (2016-2020)، كان الانخفاض السنوي العالمي في وفيات الأمهات صفرا فعليا. بالمعدل الحالي للتقدم، لن يتحقق التكافؤ بين الجنسين في البرلمانات الوطنية قبل عام 2063. وبالنسبة للعنف فعلى مدار حياتهن، تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء، أي ما يقرب من 736 مليون امرأة، للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل شريك حميم أو غير شريك. والنساء في مناطق الصراع هن الأكثر عرضة للعنف والفقر والزواج المبكر. فمثلا نسبة الزواج المبكر في مناطق النزاعات ترتفع إلى 14.4% أعلى من نظيراتهن في مناطق آمنة، وثلث الوفيات عند الميلاد حدثت في 48 منطقة نزاع و69% من المصابين حديثا بمرض نقص المناعة المكتسب من الفتيات. وعلى الرغم من انخفاض عدد الفتيات غير الملتحقات بالمدارس بنسبة 39% خلال العشرين عاما الماضية، لا تزال 122 مليون فتاة غير ملتحقات بالمدارس عالميا. كذلك 4 من كل 10 مراهقات وشابات حول العالم لا يكملن المرحلة الثانوية العليا، وتُعد الفتيات من خلفيات ريفية فقيرة ومجتمعات مهمشة، أقل احتمالا لإكمال الدراسة. وفي حين انخفض عدد المراهقات والشابات الأميات إلى النصف تقريبا في العقود الثلاثة الماضية، فإن ما يقرب من 50 مليون مراهقة وشابة اليوم غير قادرات على قراءة أو كتابة جملة بسيطة. وأخيرا لا تتوفر إمكانية الوصول إلى الإنترنت لـ9 من كل 10 مراهقات وشابات في البلدان منخفضة الدخل، بينما يزيد احتمال وصول أقرانهن الذكور إلى الإنترنت بمقدار الضعف.

المرأة العربية

قدمت المجموعة العربية عبر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) تقريرا شاملا عن التقدم التي أحرزته المرأة العربية منذ إعلان منهاج عمل بيجين لعام 1995. وقد ألقت ممثلة فلسطين التقرير العربي نيابة عن المجموعة العربية. ومع هذا يقر التقرير بأن الفجوة بين الجنسين في المنطقة العربية بلغت 40% عام 2018. وفي عام 2024 بلغت نسبة مشاركة المرأة العربية في القوى العاملة 18.4% مقابل متوسط عالمي قدره 48%، والمتوسط الإقليمي للرجال يصل إلى 77.2%. كما أقر العديد من الدول العربية تشريعات لحماية المرأة العاملة، وعدم التمييز في العمل والمساواة في الأجور، وفتح جميع المجالات أمام المرأة، وسن تشريعات جديدة لمساعدة النساء في فترات الحمل والإنجاب ورعاية الأطفال في فترة الطفولة. وشهدت الدول العربية طفرة تعليمية للفتيات إلا في سوريا، التي تراجعت فيها معدلات تعليم الفتيات في السنوات الخمس الماضية وانحدر من 93% إلى 62%. وقد وصل معدل الالتحاق بالمدارس في الدول العربية بشكل عام نحو 100% للجنسين ما عدا في الصومال وجيبوتي واليمن والعراق.

أما عن العنف الموجه ضد الفتيات والنساء فقد سن العديد من الدول العربية القوانين؛ ووضعت السياسات والاستراتيجيات والتدابير المؤسسية للحيلولة دون وقوع العنف؛ وأنشأت آليات للإبلاغ عن حدوثه؛ وأقرت تشديد العقوبات وتنفيذها؛ وشجعت الضحايا على الإبلاغ عن التجاوزات، وأقرت تقديم الدعم الطبي والنفسي للضحايا، إلا أن المعلومات المرتبطة بالعنف الجنسي والتحرش قليلة ونادرة، وكثير من الدول العربية ليس لديها إحصاءات حول هذا الموضوع، لكن بشكل عام انخفضت نسبة العنف بسبب القوانين الجزائية الصارمة وانخفضت نسبة زواج القاصرات وكذلك نسبة ممارسة ختان الإناث.

المرأة الفلسطينية

تستحق المرأة الفلسطينية أن تقام لها تماثيل في كل أنحاء الوطن العربي، فلا مثيل لها ولا صنو لمعاناتها التي لا تنتهي. لقد تصدت مثلها مثل شريكها الرجل لمقاومة مشروع الاستعمار الاستيطاني التفريغي العنصري، لطرد الشعب الأصلي واستبداله بمهاجرين من كل العالم تحت حجة الحق الإلهي. فلمدة 76 سنة والمرأة الفلسطينية تسقط شهيدة أو جريحة أو أسيرة. والمرأة الفلسطينية إما أرملة أو ثكلى أو يتيمة أو معيلة لأيتامها أو ممرضة لزوجها المعاق، أو ابنها الذي فقد أحد أطرافه أو أكثر. تشرب حسرة الزوج والابن والولد والأخ والجار والعم والخال الذين شملتهم قوافل الشهداء. ولا بد من ذكر ما تعرضت له نساء غزة حيث عشن مأساة لا مثيل لها بسبب حرب الإبادة وتداعياتها، خاصة أن أكثر من 70% من الضحايا كانوا من الأطفال والنساء. لقد بلغ عدد الشهيدات 12316 من إجمالي 48346 شهيداً، ومن بين الجرحى البالغ عددهم 111759 جريحا، والمفقودين وعددهم نحو 14222 مفقوداً تصل نسبة النساء والأطفال إلى 70%.

ومع كل هذه التضحيات ما زالت السلطة الرسمية متمسكة بالقوانين الأردنية والمصرية لما قبل عام 1967 في مواضيع العنف ضد المرأة، وقضايا جرائم الشرف وخطيئة العذر المخفف وعنف الأقارب والزواج بالإكراه وانتشار الطلاق التعسفي، وتعدد الزوجات دون مبرر أخلاقي أو ديني. وآخر ما تفتق عنه ذهن السلطة في رام الله أن تدمج نساء وعائلات الشهداء والأسرى مع بقية الناس الذين يتلقون مساعدات الضمان الاجتماعي وتصبح الحاجة والعدد وعوامل العمر والدخل التي تقرر كمية المساعدة ما يعني لا فضل لمناضل أو أسير أو شهيد. أليس ظلم ذوي القربى أشد وجعا وألما من وقع الحسام المهند؟ أهكذا نكرم عائلات الشهداء وأبناءهم؟ أم أن مرحلة النضال والمقاومة أقفلت صفحاتها بانتظار ما يجود به ترامب والصهاينة من حوله؟

مقالات ذات صلة