هوكشتاين في بيروت… وسيط أم ناقل رسائل؟

وائل نجم

حرير- حطّ الموفد الخاص للرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين رحاله في بيروت، يوم الاثنين (4 مارس / آذار)، والتقى مسؤولين لبنانيين في مواقع السلطة وخارجها، وحمل همّاً واحداً يتصل بالجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة باحثاً عن تهدئة تعيد المستوطنين الإسرائيليين إلى المستوطنات في الجليل وشمال فلسطين عموماً بشكلٍ رئيسي وأساسي، وكلّ ما عدا ذلك ليس له أهمية في الزيارة ولا في اللقاءات.

حرصت الولايات المتحدة منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول (2023) على التحرّك والضغط لمنع أيّ تحرّك وضغط حقيقي على الإسرائيلي في معركته، بل عدوانه على غزّة، وجاءت بحاملات طائراتها وسفنها الحربية مع حلفائها لهذه الغاية إلى شرق المتوسّط، ونجحت، إلى حدّ كبير، في لجم المنطقة ومنْع المواجهات في الجبهة الجنوبية من تشكيل ضغط حقيقي يوقف العدوان أو الحرب على غزّة طوال خمسة أشهر من القتال، مع الاعتراف بأنّ هذه المواجهات شكّلت، في مكان ما، ضغطاً على “إسرائيل” لكنّه ضغطٌ لم يرق إلى مستوى وقف العدوان على غزّة، وربما كانت الولايات المتحدة تريد ذلك لاعتباراتٍ تتعلّق بالخلاف مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، خصوصاً مع نتنياهو، ولحاجتها لأدوات ضغط غير مباشرة تلجأ إليها في لحظة تكون فيها بحاجةٍ إلى موقف جدّي وحقيقي لا يجعل المنطقة تتحوّل إلى برميل بارود.

والولايات المتحدة التي قال رئيسها يوماً “لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها”، والذي تعهّد، كغيره من الرؤساء الأميركيين، بحماية أمنها واستمرارها، أوفد إلى بيروت مبعوثه الخاص الذي كان ذات يوم ضابطاً في الجيش الإسرائيلي حاملاً مسألة واحدة لا غير. كيف نضمن عودة المستوطنين الإسرائيليين إلى المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة؟ واتصالاً بذلك، كيف نعيد الهدوء إلى المنطقة الحدودية وفق الرغبة والرؤية الإسرائيليتيْن؟ بمعنى آخر، كيف يمكن أن نطبّق الشروط الإسرائيلية على جانبي الحدود قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة؟

حاول المبعوث الأميركي هوكشتاين أن يقدّم نفسه وسيطاً منذ اللحظة الأولى لاندلاع شرارة المواجهات، بل قبل ذلك عندما كان يعمل وسيطاً في مسألة ترسيم الحدود البحرية، وأفضى ذلك إلى الاتفاق المعروف لصالح “إسرائيل” في حينه. واليوم، يحاول الخروج بصورة الوسيط، لكنّه لا يطرح مبادرات جدّية وحقيقية سوى من باب تقطيع الوقت وإعطاء “إسرائيل” الفرصة لمزيد من القتل وارتكاب المجازر بحقّ الفلسطينيين، والإفادة، في وقت لاحق من التوتّر على الجبهة الجنوبية، لتوظيفه في الضغط على الرؤوس الحامية في الداخل الإسرائيلي التي لا تتماشى مع التطلّعات الأميركية.

لكنّ الحقيقة أنّ هوكشتاين لم يأتِ إلى بيروت هذه المرّة، وربما حتى في المرّات السابقة، وسيطاً، إنّما جاء ناقلاً مجموعة من المقترحات أو بالأحرى الشروط المطلوب تنفيذها في لبنان لضمان عدم توسّع الجبهة نحو الداخل اللبناني. لقد أشار في بعض أحاديثه مع المسؤولين اللبنانين إلى أنّ “الولايات المتّحدة تستمرّ في العمل مع الحكومة اللبنانية لتأمين الرّخاء والدّيمومة للشعب اللبناني، لأنّ التّصعيد لن يساعد لبنان في إعادة البناء والتقدّم”؛ بمعنى آخر إنّها رسالة مفخّخة تحمل معنى واحداً، وهو المزيد من الضغط والحصار الذي يفاقم الأزمة الاقتصادية الحادة من ناحية، وعدم لجم “إسرائيل” عن القيام بعدوان واسع من ناحية ثانية، وبالتالي ما على لبنان سوى الانصياع والرضوخ للشروط الإسرائيلية التي تطالب بانسحاب المقاومة من منطقة الحدود بشكل كامل.

هل وضع هوكشتاين المسؤولين اللبنانيين بين خيارين: الرضوخ أو توسّع الحرب؟ وخصوصاً أنّ قلق الولايات المتحدة من توسّع الحرب نحو لبنان في ظلّ الظروف القائمة حالياً لم يعد كما كان مع بدايات معركة طوفان الأقصى؟! الواضح من تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي كشف بعد لقائه هوكشتاين أنّ وقف إطلاق النار في غزّة سيدخل حيّز التنفيذ قبل دخول شهر رمضان، وأنّ مصير جبهة جنوب لبنان سيظلّ معلّقاً للتفاوض خلال الشهر الكريم. والواضح أنّ هذا التفاوض سيكون تحت النار كما كان الحال في غزّة، ما يعني أنّ لبنان والمنطقة قادمان على تصعيد جديد أو مرحلة جديدة من العنف أو التراجع لبنانياً خطوة إلى الوراء لضمان عدم حصول المواجهة الشاملة.

مقالات ذات صلة