الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي ودوره الفتاك في غزة

حسني عايش

حرير- فيما يلي خلاصة لتحقيق إسرائيلي ترجمه الأستاذ علاء أبو زينة مالك الاقتدار والاختيار، وتم نشرها في جريدة الغد الغراء على ثلاث صفحات كاملة في 16-17-18 /2024/4 أقدم ملخصا لها ومعلقا عليها لأهميتها الفائقة.

يبدو من التحقيق المترجم أن الجيش الإسرائيلي طور عددا من برامج الذكاء الاصطناعي العسكرية خصيصا لإبادة الفلسطينيين في قطاع غزة، وتدمير القطاع بشرا وشجرا وحجرا.

وأهم هذه البرامج ثلاثة : واحد منها للإبادة، ويسمى لافندر (Lavender)، والثاني لتدمير المكان ويسمى الإنجيل (The Gospe)، والثالث لتعقب قادة وجنود المقاومة لقصفهم والقضاء عليهم، ويسمى أبن بابا (Where’s Daddy).

مهمة برنامج لافندر تحديد جميع الفلسطينيين المشتبه بعلاقتهم مع كل من حماس والجهاد، وترتيبهم في قائمة من مائة درجة، أي حسب أهميتهم في هرم المقاومة، كأهداف للقصف والقتل. وقد اعتمد الجيش في الميدان على هذه القائمة من الأهداف البشرية الفلسطينية لشن غارات جوية على كل منهم لقصفه وقتله، وفي معظم الأحيان مع أسرته وجيرانه عند اللزوم دون التحقق من دقتها هدفاً هدفاً، مع أنه ثبت للجيش أن البرنامج يُخطئ بمقدار عشرة في المائة في تحديد الأهداف ما خلا التحقق ولمدة عشرين ثانية فيما إذا كان الهدف ذكراً أو أنثى. ومع ذلك تجاهل الجيش هذه النسبة وقتل الجميع حتى أفراد الشرطة والدفاع المدني وموظفي وزارة الداخلية، والأطباء والممرضين والمسعفين والمعلمين والمعلمات والطلبة وسواقي سيارات الإسعاف وأقارب الناشطين والجيران والناس الذين تصادف تشابه أسمائهم مع أسماء مستهدفة. والنتيجة كانت وما تزال قتل آلاف مؤلفة من الفلسطينيين وجرحهم بما في ذلك النساء والأطفال والمرضى والأفراد مع أنهم لا يشاركون في القتال بتدمير بيوتهم على رؤوسهم مع أسرهم بحجة أن حماس والجهاد تضعان عناصرهما وأصولهما العسكرية في قلب إسكانات المدنيين، وتستخدمهم كدروع بشرية وتديران القتال من داخل المباني والمدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف ومرافق الأمم المتحدة (وكالة الغوث الدولية بخاصة) ونظام أنفاق معقد مما يؤدي حسب الحجة الإسرائيلية إلى قتل كثير من المدنيين (ولعله لهذا ينكر بايدن – الرئيس الأميركي – الإبادة الجماعية التي تقوم فيها إسرائيل للفلسطينيين في قطاع غزة) وكان معظم القصف والقتل يتم في تالي الليل عند الساعة الخامسة صباحاً والمستهدفون مع أسرهم والناس نيام، بالطائرات والذخائر والقنابل الغربية وبخاصة الأميركية.

أما مهمة برنامج الانجيل للذكاء الاصطناعي فكانت التأشير على البيوت والمباني المستهدفة لتدميرها على رؤوس ساكنيها الذي يدعي هذا البرنامج أن المسلحين يعملون أو يختفون فيها.

وكان الجيش الإسرائيلي وما يزال يفضل قتل ذي الرتب الدنيا في الحركتين بقنابل غبية أو بصواريخ غير موجهة لأنها أرخص وأقل تكلفة من القنابل الذكية والصواريخ الموجهة المكلفة جدا والأوسع قتلاً وتدميراً، والمخصصة لقتل قادة الحركتين والشخصيات المهمة ذات العلاقة وإن أدى ذلك إلى قتل عائلات بالكامل، وتدمير مباني وعمارات بالخطأ. كان الجيش الإسرائيلي وما يزال يبرر ذلك أنه قد يكون في العائلة أفراد منظمون في إحدى الحركتين. وكما ترى فإنه الغاء للأخلاق والقوانين الدولية والإنسانية كافة من الصورة، فالجيش الإسرائيلي يعتبر قتل عائلات بأكملها والمدنيين من الجنسين ومن مختلف الأعمار الناجم عن قتل الأفراد المستهدفين مجرد أضرار جانبية لا مفر منها، حتى وإن تم القتل بالخطأ، أي بعدم وجود المستهدف في تلك اللحظة من القصف في البيت/ في الأسرة أو في المكان.

وفي خطوة غير مسبوقة أميركياً وعالمياً قرر لافندر وبالتالي الجيش الإسرائيلي أنه يمكن قتل من 15-20 مدنياً لقتل ناشط صغير من حماس أو الجهاد، ومائة مدني لقتل فرد أهم منهم، وثلاثمائة مدني وأكثر لقتل قائد مهم جداً. لقد أذن الجيش الإسرائيلي يقتل حتى ثلاثمائة مدني عند اللزوم لقتل أيمن نوفل قائد لواء غزة المركزي ولكنه فشل في ذلك نتيجة تحديد غير دقيق لموقعه، إلا أنه مع ذلك قتل العشرات وجرح المئات ودمر العديد من المباني.

ويفيد ضابط إسرائيلي شارك في التحقيق الصحفي أن الآلة/ برنامج الذكاء الاصطناعي تعمل ببرود وهذا يجعل الأمر على الجيش أسهل. ويقول ضابط آخر شمله التحقيق الصحفي: “في الحرب لا يوجد وقت لتدقيق ملف كل هدف، ولذلك تكون على استعداد لتحمل هامش من الخطأ ناتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي، وكذلك المغامرة بإيقاع أضرار جانبية مثل قتل المدنيين، أو المغامرة بشن هجوم على أساس خاطئ، والتعايش مع ذلك، وانتقاماً من طوفان الأقصى”. وبذلك تتخلى اسرائيل حكومة وشعباً- عن جميع حقوق الإنسان وعن مبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني عندما اعتبرت جميع نشطاء حماس والجهاد والقريبين منهم أهدافا بشرية يجب القضاء عليها دون قيد أو شرط. وهكذا نشأ ما يسمى بالكأس الإسرائيلية المقدسة، أي القتل أوتوماتيكياً، أي جنونياً الناتج عن كثرة الأهداف التي حددها لافندر ويجب القضاء عليها بسرعة البرق، بالإضافة إلى الأهداف الفورية التي يحددها العسكريون الإسرائيليون في الميدان. وقال ضابط لم يذكر اسمه في أثناء التحقيق: كان الجيش عند الساعة الخامسة صباحاً يقصف جميع المنازل التي حددها البرنامج. لقد قضينا على آلاف الأشخاص في منازلهم دون تدقيق ملفاتهم. كنا نصف تلك الأهداف بأهداف القمامة أو بالصيد الواسع”. بالركون إلى الآلة في القتل والإبادة تفقد إسرائيل سياسياً وعسكرياً جميع الأخلاق والأحاسيس والمبادئ الإنسانية فمنذ بداية القتال كان عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين محدداً ومعروفا مسبقا بكل قصف جوي أو مدفعي عند السلطات المعنية فيها.

أما برنامج أين بابا فهدفه تتبع الأفراد المستهدفين وتنفي التفجيرات عندما يدخلون بيوتهم عند أسرهم، وهو ما يفسر قتل عائلات بأكملها.

وخلاصة الخلاصة أننا – نحن العرب- كنا غائبين تماماً عما تطوره إسرائيل عسكرياً وتقنياً لإبادة الشعب الفلسطيني وشعب أي دولة عربية تتحدى إسرائيل فعلاً. كانت اسرائيل تعد لقتلنا بما لم يعده مثله أحد من قبل.

لكن من أين حصلت لافندر على كل تلك المعلومات الضخمة عن كل فلسطيني في غزة والداخل والخارج ؟ لقد حصلت عليها من هواتفهم الذكية، ومن الجواسيس، ومن التجارب الأمنية، ومن الكاميرات الخفية والظاهرة المعلقة في كل ركن وزاوية، ومن المخابرات الأميركية والأجنبية أو الحليفة والصديقة، ومن الأقمار الاصطناعية.

ومع هذا كله تمكنت المقاومة الفلسطينية من الصمود الطويل في وجه هذه الآلة العدوانية المتطورة، وعلى نحو لم يشهد له التاريخ مثيلا.

مقالات ذات صلة