الموقف الأردني.. لا خطوط حمراء

نضال منصور

حرير- يمضي موقف الدولة الأردنية قدما في مواجهة حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، فلا خطوط حمراء ما دامت الآلة العسكرية مستمرة في مذابحها في غزة، والضفة الغربية.

لا يضع الأردن كل أوراقه على الطاولة مرة واحدة، وتتخذ أقواله وأفعاله طريقها للتصعيد المدروس، وربما يعكس ما قاله نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشجاع، أيمن الصفدي، المسار السياسي، والدبلوماسي للأردن في التعامل مع أوسع حرب همجية على شعب أعزل في التاريخ.

الصفدي أعلن عبر قناة الجزيرة أن الأردن لن يوقع اتفاقية الكهرباء مقابل الماء مع الاحتلال الإسرائيلي، فكيف لوزير أن يجلس ليوقع في ظل هذه الحرب التي لا تُبقي ولا تذر، وكيف لعمّان أن تثق بعدو يقطع الماء والكهرباء، ويقصف المستشفيات، والمدارس في قطاع غزة، ويُهدد بعض قادته بإلقاء قنبلة نووية؟

ويذهب الوزير الصفدي ليؤكد أن اتفاقية السلام وثيقة موجودة على الرف يعلوها الغبار، وهذا إعلان سياسي غير مباشر عن وفاتها، وانتهاء العمل بها.

تتحرك الدولة الأردنية في سياق نسق متكامل ومتصاعد، فرئيس مجلس النواب، أحمد الصفدي، أوعز للجنة القانونية – في خطاب شديد اللهجة- المباشرة في مراجعة كل المعاهدات والاتفاقيات مع العدو الصهيوني، وهذا التوجه بغض النظر عن النتائج التي سيسفر عنها تضع كل العلاقات في مهب الريح.

موقف الدولة الأردنية يتناغم مع نبض الشارع الذي يطمح بمواقف تتجاوز خطابات التنديد، ويريد إلغاء معاهدة وادي عربة، وكل الاتفاقيات اللاحقة وأولها اتفاقية الغاز، ولا تتصادم الحكومة مع هذه المطالب الشعبية، وفي الاجتماعات المغلقة تبقي كل الخطوط مفتوحة لأي موقف، أو اجراء.

اللاءات السياسية الأردنية الرافضة لكل التوجهات العسكرية والسياسية الإسرائيلية كانت حاضرة في اللقاء المغلق وغير المخصص للنشر لرئيس الوزراء الدكتور، بشر الخصاونة، مع الصحفيين.

الأردن يؤكد أنه لن يتعامل مع التهجير القسري، أو تقطيع غزة، أو فصلها، ولن يشارك في سيناريوهات سياسية لما بعد العدوان على غزة، وأكثر من ذلك يعتبر بعض الإجراءات إعلان حرب ضده، لن يقف مكتوف الأيدي حيالها، وسيتصدى لها.

القرارات الأردنية أزعجت قيادة الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا كان الرد على رفض توقيع اتفاقية الكهرباء مقابل الماء بالتلويح بالمخاطر التي ستواجه عمّان ومنها العطش، وعلينا هنا ألا ننسى استهداف محيط المستشفى الميداني الأردني في غزة، وإصابة 7 من كوادره بأنها رسائل تحذير مباشرة بعد أن كان سلاح الجو في القوات المسلحة «الجيش العربي» الوحيد الذي كسر حظر إرسال المساعدات الطبية، ولم ينتظر موافقة، أو إذنا إسرائيليا.

يضع الاحتلال سيناريوهات لما بعد غزة، ولما بعد حماس، وأحسنت جريدة الغد حين وضعت «مانشيت» لها باللغة العبرية يعكس السؤال المطروح ليصبح ماذا بعد إسرائيل؟ فرغم التدمير الواسع الذي أوقعه العدوان الإسرائيلي في غزة، فإن اهدافه السياسية والعسكرية لم تنجز، أو تتحقق كما يرغب، فالمقاومة صامدة، وقيادة الصف الأول لحماس لم تقتل، أو تعتقل، والأسرى ما يزالون في حوزة حماس، والفصائل الفلسطينية الأخرى، والراوية الإسرائيلية تتآكل، والتضامن في كل العالم مع عدالة القضية الفلسطينية يكتسح، وجرائم الاحتلال بدأت تكشفها الصحافة الإسرائيلية، وآخرها أن الطائرات الإسرائيلية هي من قتلت الكثير من المدنيين الإسرائيليين يوم هجوم حماس في 7 أكتوبر، وحتى الدول الغربية الشريكة، والمتواطئة مع الاحتلال ما عادت قادرة على السكوت على ما تفعله إسرائيل، والأهم أنه في اليوم الذي سيتوقف فيه العدوان سيُزج نتنياهو وعصابته في السجن، وسينتهي مستقبلهم السياسي إلى الأبد.

يتحرك الأردن لتصليب الموقف العربي في مواجهة العدوان الإسرائيلي، ويقود وزير الخارجية الصفدي هذا الحراك الإقليمي والدولي، ويقدم خطابا جسورا، وسردية في مواجهة الأكاذيب الإسرائيلية، حتى ذهب للقول إن «حماس فكرة، والفكرة لا تموت»، لتبديد الأوهام الصهيونية بقدرتها على اقتلاع روح المقاومة عند الشعب الفلسطيني.

المواقف الأردنية مفتوحة على كل الاتجاهات، وكل يوم يمضي في العدوان، يصبح فيه ترميم العلاقات مع إسرائيل مستحيلا، فعقارب الساعة لن تعود للوراء، والدم الفلسطيني لن يذهب هدرا.

مقالات ذات صلة