غزة الجديدة

سميح المعايطة

حرير- ليس هناك جغرافيا أو شعب يدخل حربا ويخرج منها بذات التركيبة والتفاصيل فكيف عندما تكون الحرب مع محتل متفوق عسكريا ومتخم بالعدوانية والإجرام ويتحرك وفق مشروع سياسي وليس فقط يقتل ويدمر عشوائيا.

غزة الجديدة هي التي سيراها العالم بعد أن يتوقف العدوان، وأول معالمها استشهاد حوالي 27 ألف فلسطيني حتى الآن من معظم البيوت والعائلات، ومعهم اكثر من 66 ألف جريح بكل مستويات الإصابة حتى تلك التي ستنقل الكثيرين الى قائمة الشهداء، ومعهم آلاف المفقودين الذين غالبا أنهم من الشهداء، فضلا عن آلاف من المعتقلين سواء من فصائل فلسطينية او مواطنين.

إسرائيل تتحدث وفق روايتها عن 10 آلاف مقاتل من حماس استشهدوا وتقول الرواية الإسرائيلية إن مثلهم من المصابين، وهي رواية لا يمكن تأكيدها لأن حماس لا تعلن عن خسائرها البشرية او المادية.

وغزة الجديدة مدمرة عمرانيا، والاحتلال تعمد قصف وتدمير حوالي 60 % من البيوت المباني كليا وجزئيا، وتعمد تدمير الجامعات والمؤسسات والمدارس وغيرها من اشكال الحياة هناك بما فيها شبكات المياه…

غزة الجديدة لا تصلح للحياة، وهي مختلفة عما كانت عليه قبل العدوان فقد فقدت حتى الآن اكثر من 100 ألف من سكانها بين قتيل وجريح ومفقود، وفقدت شكلها العمراني، إضافة الى ذلك ستفقد جزءا من مساحتها لغايات المنطقة العازلة التي تقيمها اسرائيل بين غزة ومستوطنات غلاف غزة.

وإذا ما نجحت إسرائيل في مخططها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” الاونروا ” وأَغلقت عنها كثيرا من مصادر التمويل فإن سكان مخيمات غزة سيفقدون مصدرا من مصادر العيش والمساعدات التي يعتمدون عليها، والأهم أن أحد رموز قضية فلسطين وحق العودة سيختفي باختفاء الاونروا كليا او جزئيا.

وحتى لو تم الإتيان بمؤسسات أخرى تقدم المساعدات للاجئين الفلسطينيين في غزة ودول اللجوء فإنها ستكون مؤسسات خيرية ليس لها دلالات سياسية في قضية عنوانها حق العودة والدولة الفلسطينية.

لكن الأخطر في غزة الجديدة أن هذا العدوان صنع من غزة اقليما جغرافيا غير قابل للحياة نتيجة التدمير لكل شيء، ولن يكون هناك اعمار واموال من دول العالم القادرة إلا عندما تكون غزة بشكل سياسي مختلف، والمهم ان اهل غزة بعد انتهاء العدوان ورغم حبهم لوطنهم الا انهم سيفقدون إمكانية العيش الطبيعي في كل المجالات وتصبح غزة ارضا طاردة وهذا جزء من تفكير الاحتلال.

غزة الجديدة ترسمها طائرات الاحتلال ودباباته سياسيا ومعيشيا وانسانيا، وإذا ما وجد الاحتلال فرصة للخطوة الاخيرة في مشروع التهجير فإن غزة الجديدة ستكون عنوانا لنكبة انسانية سياسية – لا قدر الله -.

مقالات ذات صلة