التعليم الطبي وجرس الإنذار الكويتي … أحمد حمد الحسبان

تباينت ردود الفعل الأولية على القرار الكويتي بوقف الابتعاث للكليات الطبية في الأردن. فبينما أجمعت الردود على حق وزارة التعليم العالي الكويتية في اختيار الجامعات لغايات الابتعاث، واحترام خياراتها، جاءت بعض الردود لتقلل من تأثيرات الخطوة على الجامعات الأردنية.

الردود التي قللت ـ ضمنا ـ من تأثيرات الخطوة الكويتية أشارت إلى أن القرار اقتصر على وقف الابتعاث على نفقة الحكومة الكويتية وليس وقف الاعتماد والاعتراف بالكليات الطبية والشهادات الأردنية، مشيرة إلى عدم شمول من يرغب بالدراسة على نفقته الخاصة، ومجددة التأكيد على جودة التعليم العالي الأردني.
وفي مسار آخر، دخلت الردود مجال الأرقام، وتدني نسبة الطلبة المبتعثين من إجمالي الطلبة الكويتيين من جهة، وغير الأردنيين بشكل عام، وإلى نتيجة مفادها أن الأثر سيبقى محدودا جدا على أوضاع الجامعات الأردنية. عدا عن أن القرار لم يقتصر على الأردن فقط وإنما شمل الجامعات المصرية.
المعلقين على القرار استندوا إلى إحصائيات كويتية أشارت إلى أن عدد طلبة الطب الذين يدرسون على نفقتهم الخاصة في الكليات الطبية بالجامعات الأردنية” طب بشري وطب أسنان وصيدلة” وصل إلى 2319 طالبا. مقابل بضع مئات من المبتعثين. وهم بذلك يشيرون إلى العامل المادي المباشر فقط، وليس الى انعكاسات ذلك القرار على الملف بمجمله بما في ذلك تأثيراته على من يرغبون بالدراسة على نفقتهم الخاصة، وعلى الدول الأخرى التي قد تأخذ الخطوة الكويتية بعين الاعتبار.
فالوزارة الكويتية أشارت إلى أن خطوتها تهدف إلى ضمان أعلى مستويات الجودة لمدخلات التعليم في الدولة، وأنها جاءت بعد دراسات قامت بها ضمن ذلك السياق. وفي ذلك إشارة واضحة إلى تدني جودة التعليم الجامعي في الأردن.
هنا لا بد من الإشارة الى ما أجمع عليه أخصائيون في مجال التعليم من أن الطفرة التي شهدها القبول الجامعي على مدى السنوات الخمس الأخيرة كان تأثيرها واضحا على مستوى التعليم. فبعد أن كان الأردن مضرب المثل في جودة التعليم بشكل عام، والتعليم الطبي بشكل خاص، تراجع التقييم تحت تأثيرات الاكتظاظ في الصفوف، وفي القاعات، والمختبرات، والمرافق الطبية اللازمة للتدريب.
وفي السياق يمكن استذكار تصريحات وزير سابق للتعليم والتعليم العالي وأستاذ طب في إحدى أبرز الكليات الطبية أشار فيها إلى أن المجموعة الواحدة من طلبة الطب التي يتولى تعليمها ضمن الحصة الدراسية ارتفعت من ستة طلاب إلى أكثر من عشرين طالبا.
والإشارات المتكررة من أساتذة آخرين حول عدم كفاية المستشفيات والمرافق الطبية اللازمة للتدريب العملي لمثل الأعداد الكبيرة من الطلبة المقبولين.
وبصورة اجمالية فقد ارتفع عدد طلبة الطب في الجامعات الاردنية عام 2022 الى 19 ألف طالب مقابل خمسة آلاف تقريبا قبل ذلك بخمسة أعوام.
المدققون في المشهد يتوقفون عند نقاط تحول بارزة في هذا المجال أهمها ما أطلق عليها مجازا” تعويم معدلات الثانوية العامة” حيث وصلت معدلات البعض إلى مائة بالمائة، وزاد عدد من يحملون درجة ” الأول على المملكة” عن سبعين طالبا كلهم بذات المعدل. وما رافق ذلك من ضغوطات شعبية تطالب بقبول أصحاب المعدلات المرتفعة بكليات الطب. واستجابة أصحاب القرار ـ وهم نفسهم من قاموا بتلك الخطوة ـ لتلك المطالبات وقاموا بتوسيع القبول الجامعي في كل التخصصات بما فيها الطبية فتضاعف القبول بأكثر من مائة بالمائة وبقيت المرافق الجامعية على حالها. إضافة الى استنباط برامج جديدة للقبول الطبي من بينها” الموازي والدولي” وبرسوم مرتفعة جدا.
عودة الى الخطوة الكويتية، فهي جرس انذار على حكماء التعليم العالي عدم إغفالها ومعالجتها بشكل معمق.

مقالات ذات صلة