ماذا يقول لنا “قانون التوعية بمعاداة السامية” عن أمريكا وإسرائيل؟

علي باكير

حرير- خلال الأسبوعين الماضيين، شهدت الولايات المتّحدة الامريكية تمدّداً غير مسبوق لحركة الإحتجاجات الطلابية الداعمة للقضية الفلسطينية. وقد إعتصم الطلاب، الذين ينتمون الى فئات وطوائف متعددة من بينهم طلاب يهود، بشكل سلمي في الباحات الجامعية رفضاً لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ولشجب تورّط الإدارة الأمريكية في هذه الحرب، وللمطالبة بتحقيق وقف لإطلاق النار.

وبعد فشل حملات الترغيب والترهيب التي شنّتها السلطات الأمريكية ضد المعتصمين بالتعاون مع المسؤولين عن هذه الجامعات والمموّلين لها والفئات الداعمة لإسرائيل، قرر الكونغرس الأمريكي إصدار قانون يساوي فيه بين مطالب الطلاّب وبين معاداة السامّية لقطع الطريق عليهم وتسهيل إعتقالهم وتوجيه التهم لهم ولإقفال هذا الباب نهائيا في المسقتبل، حيث يعمل القانون على تعطيل إمكانية قيام حركات مشابهة مستقبلاً.

وقد مهّد القانون لحملة مسعورة من السلطات الأمريكية واللوبيات الإسرائيلية ضد الطلاّب فتم وصفهم بأنّهم نازيون وارهابيون وعملاء لروسيا وأعضاء في حركة حماس، ومن ثم تمّ تجنيد ودفع مجموعات من البلطجيين المواليين لإسرائيل لإقتحام تجمّعاتهم وتخريب خيمهم والاعتداء بالضرب عليهم، كل ذلك أمام مرآى ومسمع الشرطة والأجهزة الأمنيّة التي تمّ استدعاؤها لقمع المعتصمين السلمّيين.

وبعد أن تُركت قطعان المؤيدين لإسرائيل تفتك بالمعتصمين لساعات، دخلت قوات الامن لتعتقل الطلاب والأساتذة الذين تضامنوا معهم، وشاهدنا كيف تمّ تأمين الغطاء والحصانة للموالين لإسرائيل وكيف تعاملت الأجهزة الأمنيّة بوحشيّة غير مسبوقة مع الطلاب والأستاذة وكأنهم مجرمين حيث تمّ إلقاء القبص على المئات منهم وتوجيه تهم قضائية جاهزة ومعلّبة ضدّهم وطرد عدد منهم وحرمانهم من حقّهم في التعلّم في الجامعات التي انضموا إليها وغيرها من الإجراءات التي تتطابق مع الإجراءات القمعيّة في أي جمهورية موز يقودها ديكتاتور أو انقلابي في دول العالم الثالث.

وبالعودة الى القانون المذكور والذي تمّ تمريره يوم الأربعاء الماضي بأغلبية 320 صوتًا مقابل 91 (187 صوت جمهوري و133 صوت ديمقراطي مقابل إمتناع 18 عضو من الحزبين)، والذي صُمّم لمنع إنتقاد إسرائيل وما يتعلق بها بذريعة معادة الساميّة، يحظر القانون على سبيل المثال ما يسمّيه الأفكار النمطيّة والإدعاءات التي تطال اليهود بشكل فردي أو جماعي خاصة فيما يتعلق مثلا بـ”الادعاءات أو الأساطير القائلة بوجود مؤامرات يهودية عالمية أو بسيطرة اليهود على الإعلام أو الاقتصاد او الحكومة او غيرها من المؤسسات الاجتماعية”.

ومن بين الأشياء التي يحظرها القانون أيضا على سبيل المثال اتهام المواطنين اليهود بأنّهم موالون لإسرائيل أكثر من أمريكا أو أنّهم يعطون الأولوية ليهوديتهم العالميّة على حساب المصالح الامريكية. كما يتضمّن القانون حظر أمور أخرى من قبيل “حرمان الشعب اليهودي من حق تقرير المصير كالادعاء أن دولة إسرائيل عنصرية”، و”إطلاق تشبيه بين سياسات إسرائيل المعاصرة وبين النازيين”، و”تطبيق معايير مزدوجة على إسرائيل أو مطالبتها بأمور أو سلوك من غير المتوقع مطالبة دول ديمقراطية أخرى بها”، وغيرها من الأمور الذي يحظرها القانون ويدعو الى تطبيقها في أمريكا ويفرض عقوبات على إنتهاكها، ويتضمن ذلك بطبيعة الحال الطلاب في الجامعات.

من المثير للسخرية أن كل هذه الأمور التي أصبح من المحظور الحديث عنها أو نقاشها أو انتقادها هي أمور حقيقيّة. بمعنى آخر، القانون يعزّز الإنطباع والحقائق المستندة إلى مثل هذه الافتراضات ليس في أمريكا فقط بل في العالم. بإمكان أي كان أن يتأكد بشكل إمبريقي وإحصائي من سيطرة او عدم سيطرة اليهود على وسائل الإعلام على سبيل المثال في أمريكا او على الحكومة أو على غيرها من المؤسسات.

ولا نقول بأنّ ذلك أمر جيد أو سيء وإنما نريد اختبار مدى صحّة هذا الإفتراض. كل ما نحتاجه هو محرّك بحث وأسماء اهم المؤسسات الإعلامية في أمريكا. سيجد الباحث أنّ هذه المؤسسات تم تأسيسها أو تمويلها أو إدارتها من قبل يهود، والمشكلة ليس يهودية هؤلاء الذين يشكّلون حوالي 1% من الشعب الأمريكي وإنما إنتماءات العديد منهم الى الصهيونية، وهو أمر غير مخفي على كل حال بدليل الرئيس الأمريكي جو بايدن.

وما يثير العجب أيضاً أنّه في الوقت الذي سيكون بإمكان الأمريكي انتقاد أمريكا أو الحكومة الأمريكية، فإنه من غير المسموح انتقاد إسرائيل أو قادة إسرائيل أو سياسات إسرائيل. لماذا؟ وعلى أي أساس يتم تشريع قانون يمنع الأمريكي من انتقاد حكومة واحدة في العالم فقط ـ ليست حكومة بلاده ـ ودون أسباب مقنعة؟ إذا ما نظرنا الى مجلس النواب الأمريكي على سبيل المثال والمؤلف من 100 عضو عن مختلف الولايات، وبقليل من البحث، سنجد أن 7 أعضاء فقط من المجموع لم يتلقوا أي أموال معلن عنها من قبل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتّحدة.

مع أخذ هذه المعلومة بعين الإعتبار، ماذا تتوقع من سياسيين تم شراؤهم عملياً من قبل إسرائيل ناهيك الولاء الأيديولوجي طبعا. حساب اللوبي الإسرائيلي (آيباك) على موقع (أكس) يتباهى بأنّ كل الذي يتم دعمهم من قبل اللوبي في الانتخابات يفوزون. اللوبي يخصص تمويل أيضا ليس لإيصال من يؤمن بأنّهم مفيدين له، بل لاستهداف من يعتقد أنّهم لو وصلوا سيكونون ضد اللوبي وضد إسرائيل. نفس الشيء فيما يتعلق بالكونغرس، فتحت شعار “لنبق الكونغرس موالياً لإسرائيل، يتباهى اللوبي الإسرائيلي على موقعه بأنّ 98% ممّن يقوم بدعمهم يصلون في نهاية المطاف. لمن سيعمل هؤلاء برأيك؟ للشعب الأمريكي أم لإسرائيل. أفهمت الآن لماذا يُسمح بانتقاد الحكومة الأمريكية ولا يُسمح بانتقاد إسرائيل؟

مقالات ذات صلة