نجح أردوغان وفشل الإسلام السياسي

سمير حمدي

حرير- مع كل فوز انتخابي يحقّقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية يتجدّد السجال في المنطقة العربية بشأن قضايا الديمقراطية والعلمانية والإسلام السياسي، وهو أمر تحوّل إلى ما يشبه التقليد الجدلي الذي يتكرّر في مناسبات مختلفة. وبعيداً عن تفكيك المشهد التركي وملابساته وطبيعة التقاطعات التي يعرفها، بما فيه من قضايا السياسة والاقتصاد والهوية، فإن السؤال الإشكالي المطروح بشدّة: لماذا فشل الإسلام السياسي في المنطقة العربية في أن يحقق نجاحات مشابهة لما حققه أردوغان، خصوصاً في ظل التمحّك المستمر الذي تُبديه الأحزاب الإسلامية في الدول العربية في تأكيدها أنها تسير وفق النموذج التركي إن صحّت المماثلة؟

لا أحد ينكر أن المنطقة العربية ما زالت مربعاً جغرافياً يعاني أزماتٍ مستمرّة في المجال السياسي، وعاجزة عن بناء نظام ديمقراطي قادر على الاستمرارية والتواصل ضمن حدود إمكانات الدولة الوطنية التي تشكّلت ما بعد الاستقلال، والأكيد أيضاً أن التيارات الإسلامية كانت جزءاً مهماً من الصراع السياسي المحتدّ في المنطقة طوال العقود الماضية، وقد أتاحت لها ثورات الربيع العربي فرصة الوصول إلى الحكم في أكثر من تجربة. ومع ذلك، فشلت جميعها ليس في البقاء في الحكم فحسب، بل وحتى مجرّد الحفاظ على المناخ الديمقراطي وقطع الطريق أمام عودة الاستبداد بأشكاله المختلفة.

ربما كان الخطأ الأوضح في محاولة المماثلة مع التجربة التركية لحزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان هو غياب التماثل في نمط الممارسة السياسية وقراءة الواقع في كل بلدٍ على حدة. لم يكن “العدالة والتنمية” التركي، منذ وصوله فعلياً إلى السلطة بعد انتخابات 2002، يطرح نفسه حزباً إسلامياً، وإنما يتموقع في إطار اليمين المحافظ، فلم يكن مثقلاً بشعارات “الإسلام هو الحل” أو “تطبيق الشريعة” أو محاربة “الفسق والفجور” ضمن الرؤية الأخلاقوية لدى أحزابٍ إسلامية كثيرة لم تكن قادرة على طرح برامج فعلية لقضايا السياسة والاقتصاد، وتفكيك بنية نظام الاستبداد الذي ترسّخ بشكل جذري ضمن الهيكل العام لدول عربية كثيرة.

قد يكون من نافلة القول إن تجربة حركة النهضة في تونس هي التي تجري مقارنتها بشكل مستمر مع التجربة التركية، سواء من المراقبين أو حتى من قادة هذه الحركة ذاتها، ربما لوجود تشابه من حيث وضوح النزعة اللائكية لدى مؤسّسي الدولتين، أعني كمال أتاتورك في تركيا والحبيب بورقيبة في تونس، وظهور التوجّهات الإسلامية ضمن صراع أيديولوجي لا يخفى بين أنصار القوى الإسلامية وأتباع اللائكية المتطرّفة. ومع ذلك، نجح أردوغان في تجذير سلطته وترسيخها، وتحقيق نجاحات انتخابية متتالية عقدين متتالين، فيما تآكلت حركة النهضة في أقل من عقد، بل وانتهى بها الحال إلى العودة إلى مربع التنازع مع نظام الحكم الذي عاد إلى سيرته الأولى في مرحلة ما قبل الثورة.

لا أحد يُنكر أن الحكم ينهك الأحزاب ويدفعها إلى خسارة الكثير من ألقها وبريقها، فشعارات المعارضة لا تجدي عندما يصبح الحزب مشاركاً في السلطة، وهنا تأتي مهارة الأداء السياسي أثناء الحكم لإقناع الجمهور بجدوى ما يقدمه أي حزب سياسي من برامج في مجالات السياسة، وخصوصاً الاقتصاد. وفيما نجح أردوغان في إقناع جمهور الناخبين بقدراته القيادية، بوصفه رجل دولة يملك أفكاراً عملية لحل المشكلات المتراكمة والمتجدّدة، تصرّفت حركة النهضة في تونس وفق مبدأ السير مع التيار، وهكذا خاضت تحالفاتٍ متعدّدة ومتناقضة بداية من التحالف مع المنصف المرزوقي، مروراً بمشاركة الباجي قائد السبسي في أثناء حكمه، ثم الانتقال إلى دعم يوسف الشاهد، وانتهاء بالتصويت لصالح الرئيس الحالي في انتخابات 2019، لم تكن الحركة تملك تصوّراً واضحاً للحكم، ولا رؤية تحدّد الأهداف التي تسعى إليها، فقد مارست السياسة وفق مبدأ “التجربة والخطأ”، وركّزت على المشاركة المستمرّة في الحكم بأي ثمن، عوضاً عن العمل على ترسيخ الديمقراطية، وتفكيك نظام الاستبداد الذي كان ثاوياً في طيّات الدولة، ينتظر الفرصة للاستيقاظ والعودة إلى ما كان عليه.

ينبغي أن يكون نجاح أردوغان في تركيا درساً لكلّ القوى السياسية العربية، وفي مقدمتها الأحزاب الإسلامية، فليس بالشعارات وحدها تُدار الدول، وأن فرصة التأثير في الدولة لا تتوفر دائماً، وأن إعادة بناء النظام السياسي للسير به نحو ديمقراطية مستقرّة، وتحظى بدعم الجمهور تقتضي التضحية بالحسابات الحزبية الضيقة، والأهم امتلاك ناصية إدارة الدولة باقتدار، وتحقيق نجاحات ممكنة، حتى وإن كانت صغيرة لمنع الانتكاس نحو الماضي السيئ، والعودة إلى مربّع النضال من أجل الحقوق والحريات، بعد أن تصوّر الجميع أنها قد ترسخت أو كادت.

مقالات ذات صلة