هل تهاجم إسرائيل منشآت إيران النووية؟

د . صالح النعامي

كشف موقع “واللاه” الإسرائيلي، نهاية الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة عرضت قبل عدة أسابيع على إسرائيل إعداد “تخطيط عسكري مشترك” لمواجهة البرنامج النووي الإيراني.

المفارقة، كما ذكر الموقع، أن العرض الأمريكي أثار شكوك إسرائيل إزاء دوافعه؛ حيث توقعت دوائر صنع القرار في تل أبيب أن يكون هدف العرض تمكين واشنطن من تقييد قدرتها على العمل ضد البرنامج النووي الإيراني، ولا يعبر بالضرورة عن قناعة أمريكية بوجوب العمل عسكريا ضد طهران.

لكن، حتى قبل أن يكشف الموقع عن الشكوك الإسرائيلية تجاه العرض الأمريكي، أشارت العديد من وسائل الإعلام في تل أبيب إلى أن تكثيف المسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكيين زياراتهم لتل أبيب، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، جاء في إطار سعي واشنطن للتأكد من أن تل أبيب لن تقدم على عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، يفضي إلى استدراج الولايات المتحدة، رغما عنها، إلى مواجهة مع إيران والحلف الذي تقوده في ظرف دولي وإقليمي بالغ التعقيد.

وكما أشارت الصحافة الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة أرسلت رسائل التحذير هذه إلى إسرائيل، خلال زيارات كل من وزير الدفاع لويت أوستين، ورئيس هيئة الأركان مارك ميلي، وقائد المنطقة المركزية في الجيش الأمريكي أريك كوريلا، لتل أبيب.

وبمعزل عما ذكره الإعلام الإسرائيلي، فإن الخلاف الأمريكي الإسرائيلي بشأن أنماط التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني جلي؛ فعلى الرغم من اتفاق الولايات المتحدة وإسرائيل على خطورة البرنامج النووي الإيراني، فإنهما يختلفان جذريا حول الظروف والشروط التي تبرر التدخل عسكريا من أجل إحباطه. ففي حين تجاهر الولايات المتحدة بأن عملا عسكريا ضد البرنامج النووي الإيراني يصبح خيارا محتما، فقط في حال اتجهت طهران إلى إنتاج السلاح النووي؛ فإن إسرائيل ترى وجوب المبادرة بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، قبل أن تصبح دولة على حافة قدرات نووية؛ أي يكون لديها القدرات المادية والتكنلوجية التي تمكنها من إنتاج اليورانيوم المخصب، اللازم لإنتاج السلاح النووي.

من هنا، فقد أثارت مزاعم تقرير مفتشي “اللجنة الدولية للطاقة الذرية”، الذي صدر في فبراير 2023، بأنه تم العثور في أحد المرافق النووية الإيرانية على يورانيوم مخصب بنسبة 84%، قلقا كبيرا في إسرائيل؛ حيث إن هذه النسبة تقترب من نسبة 90% اللازمة لإنتاج السلاح النووي.

وقد دفع التقرير القيادات السياسية والعسكرية في تل أبيب، ليس فقط لإطلاق التهديدات بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية، بل أيضا للتلميح، بأن تل أبيب يمكن أن تقدم على هذه الخطوة بدون التنسيق المسبق مع الإدارة الأمريكية. وقد أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في لقاءاته مع نواب من الكونغرس، وخلال مقابلاته مع وسائل الإعلام الأمريكية، بأن إحباط المشروع النووي الإيراني يقع على رأس أولويات حكومته، وأن تل أبيب لا تحتاج إلى ضوء أخضر من أحد قبل الإقدام على الخطوات التي تمليها مصالحها الإستراتيجية.

وتكمن المفارقة في أن الولايات المتحدة تتعاطى بجدية كبيرة مع تهديدات إسرائيل بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، رغم أن مسؤولين كبارا سبق أن تبوأوا مواقع مهمة في هرم السلطة في تل أبيب، أكدوا أن إسرائيل لا تحوز على القدرات العسكرية التي تمكنها من تدمير المنشآت النووية، ومواجهة ردود فعل إيران وحلفائها المحتملة. وهذا ما عبر عنه بشكل صريح كل من رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، ورئيس جهاز “الموساد” السابق تامير باردو، وغيرهما.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة تخشى أن تنجر إلى مواجهة مع إيران وحلفائها، في حال تعرضت إسرائيل للهجوم بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية. فالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل والدفاع عنها يعد أحد أهم محاور الإجماع بين الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، وهذا يعني أن عملا عسكريا إسرائيليا ضد إيران، يزيد من فرص استدراج واشنطن إلى صراع بالغ التعقيد، يهدد مصالحها بشكل غير مسبوق، ولا ينسجم مطلقا مع سلم أولوياتها الإقليمية والدولية، على الأقل في الوقت الحالي. وتبدو إسرائيل معنية بدفع الولايات المتحدة، لمواجهة تبعات أية ضربة توجهها للمنشآت النووية الإيرانية، تحسبا لرد حزب الله تحديدا على هذه الضربة، حال تمت.

وتنطلق دوائر صنع القرار ومحافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب، من افتراضٍ مفاده أن استثمار إيران مقدرات هائلة في تطوير الإمكانية العسكرية لحزب الله يرجع بالأساس إلى رهانها عليه، في الرد على أي هجوم يستهدف برنامجها النووي.

وترجع رغبة إسرائيل الجامحة في ضمان إسناد أمريكي لها في مواجهة ضربات حزب الله بشكل خاص إلى عاملين أساسيين: طابع الترسانة الصاروخية لحزب الله، ووجوده بالقرب من حدود فلسطين.

فحسب وجهة النظر الإسرائيلية، فإن ما تضمه ترسانة حزب الله من صواريخ تمتاز بأربع سمات خطيرة؛ وهي: عدد ضخم يقدر بأكثر من مائة ألف صاروخ، أمداء طويلة، رؤوس متفجرة ثقيلة، ودقة إصابة عالية. فإطلاق عدد كبير من الصواريخ دفعة واحدة يقلص من قدرة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية على اعتراض الكثير منها، فضلا عن أن الصواريخ ذات المدى الطويل تعطي القدرة على المس بأي هدف داخل إسرائيل، في حين تزيد الصواريخ ذات الرؤوس المتفجرة الثقيلة من مستوى الأضرار التي ستلحق بالمرافق المستهدفة.

في الوقت ذاته، فإن حيازة حزب الله صواريخ ذات دقة إصابة عالية، تمكنها من ضرب مرافق ومنشآت عسكرية ومدنية، تمثل ذخرا إستراتيجيا لإسرائيل، مثل القواعد الجوية، المطارات المدنية، منصات استخراج الغاز، محطات تحلية المياه، ومؤسسات تمثل “رموزا سيادية”، وغيرها.

وهناك عوامل أخرى، يمكن أن تجعل إسرائيل في عجلة من أمرها لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية؛ منها التقارب الكبير بين طهران وموسكو بعد غزو أوكرانيا، وتعاظم التعاون العسكري بين الجانبين. وتخشى تل أبيب أن تتجه روسيا مستقبلا لتزويد إيران بمنظومات دفاع جوية متقدمة، سيما “أس 400″، ما قد يقلص من فرص نجاح الضربات الجوية الإسرائيلية في العمق الإيراني.

ولا يمكن إغفال الاعتبارات الداخلية كمحفز لدفع نتنياهو لتوجيه الضربة للمنشآت النووية الإيرانية، سيما رغبته في ترميم شعبيته المتهاوية، وتآكل التأييد لحزب الليكود الذي يقوده، في أعقاب سعي الحكومة لتمرير التعديلات القضائية.

إلى جانب ذلك، فإن هناك ما يدل على أن طوفان الشعبوية الذي يهمين على الجدل الإسرائيلي الداخلي، سيقلص من قدرة المستوى العسكري على الاعتراض على قرارات المستوى السياسي بشأن إيران، كما كانت عليه الأمور قبل عقد من الزمان.

فقد سبق أن أحبط كل من رئيس الموساد السابق مئير دغان، ورئيس هيئة أركان الجيش جابي إشكنازي، توجُّه نتنياهو في 2010 لشن ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، بعد أن عارضا هذه الخطوة بحزم.

قصارى القول، كل المؤشرات تدل على أن المخاوف الأمريكية من تبعات نوايا نتنياهو تجاه إيران لها ما يبررها.

مقالات ذات صلة