سيادة العالم

بيير لوي ريمون

حرير- ليس مجرد الحديث عن «تيسلا» و»إكس» و»سبايس إكس» وغيرها من الابتكارات العلمية – التكنولوجية – الرقمية – دليلا يجعلنا نقر بأن إيلون ماسك و»وكيله» دونالد ترامب، الذي كان ولا يزال يحتضنه إلى حين «يسودان» العالم. واعتقد أن المراقبين والمعلقين، الذين غامروا عندنا باستخدام مثل هذا التعبير، إما بالغوا، أو أنهم جازفوا أو تركوا حس المسؤولية جانبا.

لم تعد سيادة العالم تتم بهيمنة القوى الصناعية الكبرى والدول المتقدمة، ومهمة الصحافي أن يناضل من أجل توصيل هذه الرسالة، ومن السهل، بمجرد قوة المنطق، تفكيك مقولة «سيادة العالم» نفسها.. وأحسن مثال على ذلك حضرني في هذه الآونة، تحليل الرئيس البرازيلي لولا في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي، رفض فيها شكلا ومضمونا مقولة إن «أقوى رجل في العالم وأغنى رجل في العالم يسودان العالم».

«الرئيس الأمريكي ليس وحده»، قال لولا. «من حقه أن يحكم الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الشعب الأمريكي انتخبه، ولكن لا يستطيع أن يحكم العالم!»، وهنا يأتي لولا بتفسير مقنع جدا، وهو أننا غادرنا عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ثنائي الأقطاب، ومنذ ذلك الحين، انتقلنا إلى عالم متعدد الأقطاب. ويدعم الرئيس البرازيلي حججه مذكرا أن عددا من دول «الجنوب العالمي» (Global South)، الممثلة بدول البريكس، أعضاء أيضا في مجموعة العشرين، ويرى جازما أنها، وفي مقدمتها البرازيل، ستنضم إلى مجموعة الثماني لا محالة. ترامب ليس وحده، ولا إيلون ماسك، ولا المصالح الاقتصادية الخاصة المتحولة إلى إسقاطات تريد حفنة من المستفيدين أن تهيكل بها العالم. صوت لولا من الأصوات الوازنة ليس فقط لأنه صوت مناضل، لكنه أيضا لأنه صوت التحليل الموضوعي، الذي ينطلق من الحقائق لتشخيص واقع العالم: أجل: عالمنا تغير. ليس عالم 1945هو عالم 2025. وتغيرت المصطلحات، مثل مصطلح «بلد في طور النمو»، الذي لم يعد مستعملا. أصبحنا الآن نتحدث عن «دول نامية» و»دول صاعدة»، بل يجدر بنا أن نتحدث عن «عالم صاعد». يجب أن لا يفوتنا مثلا، أن دول البريكس تعتمد اليوان الصيني كعملة لتبادلاتها التجارية، في إشارة واضحة إلى أن مركز ثقل العالم تحول شرقا. وهنا، لم يعد تفكير المخترع – الفرد ومصالحه الاقتصادية آلية لتسيير العالم. هناك من ينتظر في برج المراقبة وينتظر منذ زمان طويل، وهذا الزمان الطويل يعيدنا فعلا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو زمن توجته فترة مؤتمر باندونغ التأسيسية.

أصوات ظلت خافتة لم تعد خافتة، قارة أمريكا ليست الولايات المتحدة سوى جزء منها. ثم مغالطة.. مغالطة، أيضا تأسيسية، أن تستمر في الحديث عن «الرجلين الذين يسودان العالم»، في قراءة للتاريخ المعاصر توهمك بسيادة أبدية للرأسمالية الغازية. الصين بمليار ونصف المليار نسمة، روسيا بمئة وخمسين مليون نسمة، البرازيل بمئتي مليون نسمة، كل على حدة يذكرنا بأن آلية تسيير العالم من الآن فصاعدا، آلية جماعية.

مقالات ذات صلة