عندما لا تتوقف إسرائيل عن قتل الفلسطينيين

رندة حيدر

حرير- جنى زكارنة ابنة الـ16 ربيعاً ضحية فلسطينية أخرى لجرائم القتل اليومي التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، والتي ازدادت حدة هذه السنة، فقد بلغ عدد الأطفال الفلسطينيين الذين سقطوا منذ بداية العام الحالي (2022)، بحسب منظمات دولية، 42 طفلاً.

تروي عائلة جنى زكارنة أن ابنتها صعدت إلى سطح منزلها في جنين في تلك الليلة تبحث عن قطتها، حين أصابتها رصاصة قناص إسرائيلي في رأسها فأردتها على الفور. لكن الإعلام التضليلي الإسرائيلي كانت له هذه المرّة أيضاَ أكاذيبه ورواياته المشوّهة، كما فعل في واقعة مقتل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.

بدأت حملة التشكيك وإنكار أن تكون للقوات الإسرائيلية أي يد في ما حدث؛ من بعدها تبدأ حملة التضليل والافتراءات، من نوع أن الجنود الإسرائيليين هم الضحية، فقد تعرّضوا إلى إطلاق نار كثيف عندما دخلوا إلى جنين في تلك الليلة لاعتقال مطلوبين فلسطينيين، وكانوا في موقع الدفاع عن النفس؛ وثم يأتي دور الاعتراف الملتوي: نعم، قُتلت جنى زكارنة برصاص قنّاص من حرس الحدود عن طريق الخطأ، لكن هذا الاعتراف يأتي مصحوباً بكمٍّ من الأكاذيب، مثل أن المراهقة كانت “تساعد المسلحين”، أو أنها كانت موجودة بالقرب منهم، أو أنها كانت على سطح منخفض لم يستطع الجنود رؤيتها، أو ماذا تفعل فتاة في هذا العمر على سطح منزلها في هذا الوقت من الليل؟

تريد إسرائيل أن نصدّق سلسلة أكاذيب من نوع أن تبادل إطلاق النار ليلاً يجعل من الصعب التفريق بين المسلحين والمدنيين الأبرياء. كيف يمكن أن نصدّق أن مقاتليها المزوّدين بآخر طراز من السلاح المتطور لا يملكون أجهزة تسمح بالرؤية الليلية؟ وإذا كانت جنى كما يدّعون في الجيش الإسرائيلي على سطح منخفض فكيف رآها القنّاص واستهدفها؟ لكن الكذبة الأبشع والأكثر إجراماً ما قاله قائد حرس الحدود أخيرا، دفاعاً عن رجاله، عندما تحدث عن “ضباب المعركة”، كأن ما جرى معركة طاحنة، وليس عملية أمنية إسرائيلية روتينية تجري بين أزقة جنين في كل ليلة. ويثير الغثيان ادّعاؤه بأن الجيش الإسرائيلي ليست لديه تقنية VAR التي تستخدم في مباريات كرة القدم، والتي تساعد على مراجعة مشاهد الفيديو التي التقطت لمعرفة ماذا حدث فعلاً!

يريدوننا أن نصدّق أن الجيش الإسرائيلي الذي تباهى رئيس أركانه، قبل أيام، بقدرة هذا الجيش على استهداف شاحنة رقم 8 كانت تهرّب السلاح من إيران إلى حزب الله من مجموع 25 شاحنة أخرى عبرت المعبر الحدودي بين العراق وسورية، لا يملك أجهزة إلكترونية متطورة تراقب وتلاحق وتسجل ما يجري؟ لكن المهزلة الكبرى هي الحديث عن انتظار نتائج التحقيق.

كيف يمكن للجلاد والمجرم التحقيق في جريمته؟ في التحقيق الأولي، اعترف الجيش الإسرائيلي بأن قناصاً من حرس الحدود قتل جنى بالخطأ، ولكن ما قيمة هذا التحقيق إذا كان القنّاص هو فوق أي محاسبة أو مساءلة؟ لا أحد في إسرائيل يمكنه محاسبة القنّاص الذي أنهى حياة مراهقة في ربيع العمر، وهو لن يوجّه إليه توبيخاً أو تأنيباً، لأن كل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تقف وراءه، ومعها أيضاَ كل أحزاب اليمين المتطرّف الديني التي ستصبح قريباً مسؤولة عن عمل حرس الحدود وعن عمل الشاباك والإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية.

كان يمكن أن تمر جريمة فتل جنى زكارنة لولا مصادفة وجود مبعوثة الأمم المتحدة، فريجينا، التي قدمت إلى إسرائيل كي تحذرها من أنها إذا واصلت قتل الأولاد الفلسطينيين، فإنها ستدخل القائمة السوداء. والسؤال الآن: ماذا يمكن أن تفعله المبعوثة الأممية فعلاً؟ هل ستطلب إحالة القناص الذي يبدو أن هويته معروفة من قادته إلى المحاكمة؟ ومن سيمنع سقوط أطفال فلسطينيين آخرين بنيران الجيش الإسرائيلي إذا لم تجرِ محاسبة قتلة الأطفال الفلسطينيين؟ وكذلك من هي الجهة القادرة على كشف (وتعرية) آلة الكذب والتضليل الإسرائيلية التي تحاول التغطية على الجرائم اليومية ضد الفلسطينيين أطفالاً وشيوخاً ونساء وشباناً؟

لا تقتل إسرائيل الأطفال الفلسطينيين فقط بل تعتقلهم أيضا. وقد بلغ عدد المعتلقين من الأطفال 450 منذ مطلع 2022، بينهم 353 من القدس الشرقية وحدها. وجميعهم يعانون من ظروف اعتقال صعبة وقاسية وغير إنسانية. قتل الأطفال واعتقالهم جريمة ضد الإنسانية. وعلى منظمات الأمم المتحدة المسارعة إلى حماية الأطفال الفلسطينيين المعرّضين أكثر فأكثر إلى خطر القتل، ولا سيما بعد استلام حكومة اليمين المتطرّف الحكم قريباً، وتولي إيتمار بن غفير الذي سيصبح وزير الأمن القومي المسؤولية عما يجري في المناطق، وبتسلئيل سموتيرتيش الذي سيتولى الإشراف على الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، ويصرّح علناً بأنه يريد ضم الضفة.

مقالات ذات صلة