مصيدة الصين للغرب في حرب أوكرانيا

حسن مجدوبي

حرير- منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، ذهب عدد من التحليلات في الغرب والعالم العربي إلى الاعتقاد بتبني الصين موقفا محافظا ضد روسيا، وكان المبرر هو رغبة بكين في المحافظة على مصالحها الاقتصادية الكبرى مع العالم الغربي. وتبين ضعف هذه الرواية الجيوسياسية، نظرا لانخراط الصين في دعم كبير لموسكو، ولعل العنوان البارز في هذا الصدد، هو المناورات الجوية المشتركة بالمقنبلات خلال الأسبوع الماضي، وهو حدث يحمل أكثر من دلالة حول توجهات المستقبل.

ومثل الكثير من التحليلات المتسرعة المرتبطة برد الفعل النفسي والعاطفي المباشر لبعض الأحداث، ثم استمرار هيمنة التفكير بأن الغرب هو محور العالم، والقابض على بوصلته الجيوسياسية، تناسلت التحليلات التي كانت تتكهن بيقين يقترب من المعتقد، بمعارضة الصين للحرب الروسية ضد أوكرانيا. وكان المبرر هو خوف بكين على مصالحها الاقتصادية مع الغرب. ولم تكن هذه التحليلات واقعية، وهي تدخل ضمن تلك التي تصدر عن وعي أو تغليط من محللين أو جهات توجه الرأي العام العالمي، بلجوء روسيا الى السلاح النووي، وانهيار الاقتصاد الروسي. وتبين لاحقا هشاشة هذه الروايات والتحليلات، أمام التطورات المرتبطة بالحرب.

في هذا الصدد، كشفت التطورات باستمرار العلاقات بين بكين وموسكو، بل الرفع من التنسيق في مختلف المجالات، وبرهنت التطورات على امتلاك الصين رؤية ثابتة تتجلى في إدراكها العميق بأن خسارة روسيا في الحرب سيسرع من السيناريو الحتمي الذي يجعلها “العدو الرئيسي” للغرب. وتدرك الصين صعوبة تخلي الغرب عن علاقاته الاقتصادية معها، لاسيما بعدما نجحت في إقامة أكبر طبقة متوسطة في التاريخ، قادرة على الإنتاج والاستهلاك، وجعلت اقتصاديات معظم دول العالم مرتبطة بها. ولم تكتف بكين بدعم روسيا، بل يبدو أنها شيدت حلفا عسكريا بين البلدين، تنقصه فقط التسمية الرسمية.

في هذا الصدد، بدأت القوات العسكرية للبلدين بمناورات عسكرية ذات طابع استراتيجي محض، شمل المناورات البرية والعسكرية والجوية، قبل الحرب الروسية – الأوكرانية وبعدها. وتجري هذه المناورات في مناطق مختلفة، وحساسة من هذا العالم مثل، المناورات البحرية في البحر الأبيض المتوسط، ثم في بحر العرب والمحيطين الهندي والهادئ. ويبقى المنعطف هو المناورات العسكرية الجوية التي جرت بين سلاح الجو للبلدين بواسطة المقنبلات خلال الأسبوع الماضي، يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في منطقة الهادئ.

وحاكى سيناريو المناورات حراسة المنطقة التي تسمى “البحر الشرقي للصين” عبر طلعات جوية للاستطلاع والمواجهة دامت ثماني ساعات، وشاركت فيها المقنبلات الروسية “تو 95 أم أس” محروسة بمقاتلات سوخوي 30 و35، ومن الجانب الصيني المقنبلات هـ -6 ك، ولأول مرة هبطت المقنبلات الصينية في المطارات الروسية والعكس صحيح. وهذه المقنبلات تحمل السلاح النووي، وهنا تكمن أهميتها. ولم تكن هذه المناورات العسكرية ذات برمجة اعتباطية، بل جاءت كرد فعل على السياسة الغربية وأساسا البنتاغون تجاه الصين، أكثر منه تجاه روسيا، وكذلك لإظهار القوة العسكرية.

علاقة بالنقطة الأخيرة، جاءت هذه المناورات يوما واحدا قبل تقديم البنتاغون للمقنبلة الجديدة “ستيلتي بي 21” يوم الفاتح من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهي أول مقنبلة بعد الحرب الباردة وتهدف إلى تجاوز المشاكل التي كانت تعاني منها المقنبلة الأسطورية بي 2. نحن أمام استعراض للقوة العسكرية. غير أن الجوهري هو الرؤية البعيدة للصين تحسبا لمخططات الحلف الأطلسي، فقد أعلن هذا الأخير في اجتماعه الشهير في مدريد خلال يونيو/حزيران الماضي عن ضرورة مواجهة ما وصفه بالتمدد الصيني في العالم، خاصة منطقة المحيط الهادئ. وهذا الإعلان يعني أن الحلف الأطلسي لم يعد يهتم فقط بالعالم الغربي والشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط، بل يخطط لتمدد جيوسياسي أكبر نحو مناطق الصين لمحاصرتها.

في الوقت ذاته، تقوم ميزانية البنتاغون الحالية والمقبلة والتي ستليها مستقبلا، على ضرورة محاصرة النفوذ الصيني، لأن البنتاغون يعتقد بخطورة الصين التي تمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية في آن واحد، ما يسمح لها بريادة العالم، في حين يرى في روسيا قوة عسكرية، لكن تفتقر للقوة الاقتصادية، ما سيجعلها دائما قوة إقليمية كبرى فقط. ولعل المفارقة الكبرى، هو تركيز العالم على الحرب الروسية – الأوكرانية، بينما يركز البنتاغون على الإعداد لمواجهة الصين. ويكفي أن وزير الدفاع طلب منذ أيام من الكونغرس ضرورة الإسراع في المصادقة على ميزانية الدفاع لحاجة الجيش لأسلحة واستثمارات جديدة للإعداد لمحاصرة النفوذ الصيني أساسا ثم روسيا ثانية.

وقال في اجتماع أمام لجنة الكونغرس المكلفة بالشؤون العسكرية “خلال العقود الأخيرة، انخرطت الصين في برنامج سريع ومذهل للتحديث، والجمهورية الصينية هي الدولة الوحيدة التي لديها الإرادة، بشكل متزايد، والقوة لإعادة تشكيل منطقتها والنظام العالمي الجديد، لكي يتناسب مع توجهاتها الاستبدادية”. وتابع “ستحدد السنوات المقبلة شروط تنافسنا مع الصين، وسيترتب عن هذا شكل الأمن في أوروبا”، ليختتم قوله، بأن منطقة المحيط الهادئ – الهندي ستكون مسرح المنافسة بامتياز، مؤكدا “نحن نلائم ميزانيتنا بشكل لم يسبق له مثيل مع التحدي الذي تشكله الصين”.

وتماشيا مع هذا، ونظرا لوقوف الصين إلى جانب روسيا في هذه الحرب ليس بالسلاح، بل بدعم اقتصادها ليبقى صامدا وبناء حلف عسكري ينقصه فقط الاسم، فهي تفرض، بشكل غير مباشر، على الغرب حرب استنزاف خطيرة. فمن جهة، لا يقوى الغرب على الانخراط العملي المباشر في الحرب ضد روسيا، لأنه لا يمتلك القوة العسكرية الكافية باستثناء استعمال النووي وهذا مستبعد؛ ومن جهة أخرى، فهذه الحرب توجه ضربات قوية للاقتصاد الغربي الذي خرج منهكا من جائحة كوفيد 19. كل هذه التطورات، تجعل مخططات الغرب بمحاصرة الصين تتأخر في الزمن، وفي المقابل يمنح الصين وقتا أكبر لتعزيز قوتها العسكرية والاقتصادية ونفوذها في العالم. وعليه، ألا تعد حرب روسيا ضد أوكرانيا بعبارة أخرى “مصيدة الصين للغرب”، إنها الرابح الأكبر من الحرب.

مقالات ذات صلة