كرامة المواطن الأردني.. د. رحيل محمد غرايبة

إن البوصلة الصحيحة التي ينبغي أن توجه خطط الحكومة ومشاريعها وتشريعاتها وأنظمتها واجراءاتها وخطابها السياسي والإعلامي تتمثل في احترام المواطن وحفظ كرامته, لأن الحكومات ما وجدت الاّ لخدمة المواطن, وتستمد شرعية وجودها من هذه الغاية الكبيرة التي تبسط سيادتها على ما دونها من غايات فرعية وأهداف جزئية , لأن كل أمم الأرض وجميع شعوب العالم اتفقت على المبدأ الدستوري القائل ( الأمة مصدر السلطات ) , وهذا يشمل كل السلطات ولا يقتصر على الحكومة بوصفها السلطة التنفيذية , فيشمل السلطة التشريعية والقضائية ايضا ’ فالتفسير البديهي لسلطة مجلس النواب أنه يحظى بهذه المكانة لأن الشعب منحه هذه الشرعية , ووكله سلطة التشريع نيابة عنه .

انطلاقا من هذه المقدمة المختصرة التي تحظى بالتوافق التام منا جميعا ومن جميع العقلاء دون استثناء , ينبغي ان يتم التوافق على تفسير العلاقة بين الشعب والسلطة , أو بين الحاكم والمحكوم , فالسلطة تكتسب شرعيتها من خلال انبثاقها من شعبها بطريقة تمثيلية صحيحة ونزيهة , وتصبح وظيفتها خدمة هذا الشعب وفق الدستور والقانون , ووفقاً للاجراءات المنبثقة منها , ولذلك لا شرعية للسلطة عندما تناقض هذه الغاية أو تنتقص منها , وأقوى المؤشرات على الالتزام بهذه الغاية تتمثل باحترام أصحاب السلطة لكرامة المواطن , لأن الكرامة تمثل أغلى ما يملكه البشر , وحيث ان الكرامة صنو الآدمية والانسانية , فعندما يفقد الانسان كرامته لا حاجة له ببقية الحقوق التي تستوي مع حقوق الحيوان وبقية الكائنات الحية المتمثلة بالحياة والأكل والشرب والتناسل والامن  .
ولذلك فإننا نجد أن تقدم الدول الحضاري على الصعيدين المادي والمعنوي يكون مرتبطا بتقدم الدول باحترام انسانها , وصون كرامته وحفظ حريته وإرادته , وقد استطاعت بعض الدول أن تبدع في إيجاد التشريعات والاجراءات القادرة على احترام كرامة مواطنيها بطريقة تدعو إلى الاعجاب والتقدير الكبير .
وهنا يثور تسأول كبير ومهم بحجم وطننا العربي من المحيط إلى الخليج , لماذا لا تحترم السلطات الحاكمة  كرامة مواطنيها ؟ ولماذا يعمد أصحاب المسؤولية والسلطة إلى احتقار شعوبهم بل يعمدون أحياناً كثيرة إلى اهدار كرامتهم وانسانيتهم بالتعامل والسلوك والتشريعات والاجراءات , وأحياناً اخرى بالاعتقالات الجماعية والعشوائية والقتل والتشريد والاعدامات الميدانية .
نحن أمة لها قرآنها الذي يقول : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) والتكريم الالهي لبني آدم جاء بصبغة العموم للكبير والصغير والرجل والمرأة والفقير والغني والمؤمن وغير المؤمن , وهذه الكرامة الممنوحة من الخالق لا يستطيع مسؤول في الدنيا نزعها  أو هدرها أو الانتقاص منها , ولذلك ونحن أمة القرآن ينبغي أن نكون في مقدمة امم العالم في احترام كرامة المواطن وصونها وإعلاء شأنها .
ولذلك فإن الاقتراح المحدد أن تبادر الحكومة لاصدار تشريع يحفظ كرامة المواطن الأردني في وطنه , واصدار التعليمات والاوامر والاجراءات وتعميمها على كل مؤسسات الدولة العامة والخاصة بضرورة احترام كرامة المواطن الأردني في المطارات وعندما يدخل الحدود وأثناء سيره على الطرقات , وعند مراجعة الدوائر والمؤسسات الحكومية , وأن تكون وفق أوامر صارمة تحت طائلة العقوبة , وأن يتم إيجاد هيئة مختصة بتنفيذ هذه التعليمات والقيام بهذه المهمة , وأن يكون لهذه الهيئة كاميرات مراقبة و صناديق مقفلة خاصة بها  موزعة على جميع الوزارات والمؤسسات الصغيرة والكبيرة والمدارس والجامعات , وأن يتم اشعار الطفل الأردني بهذا الحق الانساني منذ نشأته ( حق احترام الكرامة ) منذ دخوله الصف الأول الابتدائي في يوم الدوام الأول في مدرسته , ويجب البدء بمرحلة جديدة يتم فيها اجتثاث استعلاء المسؤول على المواطن , ويتم القضاء على كل مظاهر السخرية والتهكم التي يمارسها أصحاب النفوذ , وأصحاب المواقع الذين لا وجود لهم في مواقعهم الاّ لخدمة هذا المواطن وحفظ كرامته، ويجب ان يعلم انه يأخذ راتبه من الضرائب التي يتم تحصيلها من هذا المواطن , ومن لا يحترم المواطن ولا يحترم كرامته ولا يحافظ على الانسان فلن يكون مستأمناً على الوطن , ولن يكون أميناً على المال العام والمقدرات الوطنية.

مقالات ذات صلة