تل أبيب عندما ” تعبث بالصحن الأردني”.. هل يطالب”اليمين الإسرائيلي” برأس بشر الخصاونة؟

تحليل " القدس العربي"

منذ عام 1994 حين وقعت اتفاقية وادي عربة لم نسمع من أي مسؤول أو سياسي أردني عامل مثل هذا الخطاب”.
..تلك كانت عبارة لخص فيها أحد خبراء الدولة الأردنية في الملف الإسرائيلي تقييمه لما ورد تحت قبة البرلمان على لسان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بخصوص المواجهة الحالية في المسجد الأقصى.
خصاونة كان قد ذهب إلى مكان “غير مسبوق” في التعبيرات الحادة ضد الإسرائيليين وفي ذهنه قبل أي إعتبار آخر “إحتواء التفخيخ الداخلي” والركض ولو “خطوة إلى الأمام” قبل الإخوان المسلمين الذين كانوا للتو قد أعلنوا سلسلة اعتصامات بعد صلاة التراويح في مساجد 5 محافظات في المملكة.
قبل اعتلاء الخصاونة منصة الخطابة في البرلمان تلقى مكتبه “نسخة مثيرة جدا” من مذكرة برلمانية جديدة وقعها 89 نائبا بعدما تبناها القطب البرلماني خليل عطية.
في تلك المذكرة “كلمات واضحة” لم يسبق أن وردت في مذكرات مماثلة تطالب الحكومة مرحليا بمغادرة منطقة “الاستنكار والشجب” وإتخاذ قرارات وإجراءات على الأرض ليس أقلها المطالب الموسمية”طرد سفير إسرائيل واستدعاء سفير الأردن”.
مناخ النواب كان مشحونا ..وزارة الخصاونة أصلا ولأسباب “محلية وسياسية” على حافة الاحتمالات ولديها “جدول أعمال زمني ووطني” والبيئة لا تسمح الأن بـ”أي خلاف مع النواب” ومن الصعب تجاهل مذكرة عطية ورفاقه وكأنها “لم تصدر”.
لذلك بادر خصاونة سياسيا على الأرجح للهجوم والركض قليلا إلى الأمام رافضا “المزاودة” على حكومته عندما يتعلق الأمر بقضية محورية وموحدة للأردنيين مثل القدس.
عنصر الخبث الأهم في مذكرة الـ89 نائبا تمثل في العبارة التالية:”ما يجري في القدس يمس كرامة الأردنيين وعلى الحكومة أن تظهر بأنها معنية بالدفاع عن الوصاية الهاشمية”.
أغلب التقدير أن العبارة الأخيرة هي التي دفعت خصاونة للاشتباك فغادر مقعده وتحدث على المنصة وأمام المايكروفون مزمجرا وأطلق خطابه “العرمرمي” الذي أقلق الإسرائيليين بسبب حدته ولهجته غير المسبوقة ونتج عنه لاحقا”حملة إسرائيلية حادة “ضد رئيس وزراء “المملكة الجارة والصديقة”.
لماذا فعلها خصاونة بحدية ؟
سؤال مهم لكن الأهم أن حسابات رئاسة الوزراء كانت “دقيقة للغاية” فمنذ بدأت سردية “ذبح القربان” من الجماعات الاستيطانية المتشددة كان خصاونة وفريقه السياسي مشغولين تماما بمنع مساندة حالة تسمح للحراك الشعبي والعشائري والإخوان المسلمين بتشابك الأيدي في نقطة حرجة للغاية وهي المسجد الأقصى.
أراد رئيس وزراء الأردن توجيه “رسالة ذكية وإن

 

كانت حادة “لكل من يهمه الأمر..” إسرائيل اليوم تعبث بالصحن الأردني الداخلي”.
يمكن هنا ببساطة ملاحظة بأن الخصاونة قرأ نصا أقرب لوجدانيات قصيدة مقاومة نثرية تمجد”مقاومة الرباط عند الأهل في القدس” ثم استعمل مفردة لم يستعملها غيره “التطرف الصهيوني” والأهم دعم وأسند منهجية” الرباط والاعتكاف” علنا وساوى المرابطين بموظفي وزارة الأوقاف العاملين تحت إمرته وهو ما لم يحصل سابقا.
مهم جدا في السياق فهم “خلفية التوقيت” فقد ذهب رئيس الوزراء إلى التصعيد اللفظي الذي أغضب الإسرائيليين، لا بل “أحرجهم” مباشرة بعد ساعات من “تلقي أوامر وتوجيهات علنية وعن بعد” من الملك عبدالله الثاني الذي كان بدوره أول ما فعله وهو يقطع”إجازته الصحية” عقد اجتماع لأركان الدولة.
يوحي ذلك ضمنيا وسياسيا بأن “تصعيد الخصاونة”مدروس ويتوفر له غطاء مرجعي وإن كان يؤشر على “اللهجة التي قدر الأردن” ضرورة التحدث عبرها في مواجهة “سردية القربان” وما يجري، وأيضا الوضع الداخلي على أساس أن الاستناد إلى “الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب” في الضفتين ثم بناء حالة شعبوية تعبوية عنوانها القدس والوصاية والأقصى هي فيزيائيا “آخر ما يمكن أن تحتاجه”حكومة دخلت الأن في حسابات تجديد الثقة أو تقصيرها.
على نحو خاص يمكن القول إن خصاونة تحدث بما يمثل مرحليا “الضمير الجمعي” للأردنيين ولمؤسساتهم، وإن كان تعليقه لا يعجب مسؤولين تحت إمرته بما فيهم وزير خارجيته وفي مواقع أخرى من مجموعة”العلاقة الجيدة مع الدولة العميقة في إسرائيل”.
لكن الرجل الذي تهاجمه اليوم بشدة وقسوة منابر اليمين الإسرائيلي”قد يستفيد” في المحصلة وطنيا وسياسيا مما يجري أو يقرره أو يفعله .
ومصالح الدولة أيضا كذلك خلافا لإنه”دبلوماسي عريق” وخدم في الخارجية والقاهرة وباريس وخبراته هي الأعمق في عملية السلام، وبالتالي يعلم ما الذي يفعله أو لا يفعله كما يعلم يقينا طبيعة الإنعكاسات وكيفية التصرف ضمن هامش”المصلحة والمسموح”.
رأس الرئيس الخصاونة بوضوح قد يطالب به اليمين الإسرائيلي قريبا في ظل اشتداد تسليط الأضواء على موقفه وما ورد على لسانه..هذا وضع “نموذجي للغاية” بالنسبة لتجربة رئيس الحكومة الشاب الذي يسمعه المقربون دوما وهو يفصل شارحا بين “طبيعة التموقع الأردني” في مواجهة المشروع السياسي قياسا بدول أخرى أهمها مصر والإمارات.
متى يحصل ذلك؟..قد يحصل قريبا .
والأهم في مقاربة الخطاب المثير الذي ينتج الأن أزمة بين عمان وتل أبيب هو النفاذ بالمصالح الدقيقة المتقاطعة للدولة الأردنية كما يستشعرها الخصاونة.

– القدس العربي

مقالات ذات صلة