الوحدة العربية وكرة سيزيف… سليمان المعمري

سيزيف؛ شخصية شهيرة في الأساطير اليونانية، ارتكب ذنبًا كبيرًا في حياته فكان عقابه أن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا ما بلغ القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة من جديد، ويظل هكذا إلى الأبد. بالتأكيد أن الصخرة لم يكن لها اسم، لكن لو قُدِّر لي أن أختار لها اسما فسأسميها “الوحدة العربية”.
لا أحد يعرف ما هو الذنب الكبير الذي ارتكبه العرب لتصبح وحدتهم مستحيلة استحالة وصول صخرة سيزيف إلى القمة، غير أن ما أعرفه حقًّا أن ثمة محاولات دؤوبة حدثت في فترات كثيرة ومتباعدة لتغيير هذا القَدَر، كانت آخرها محاولة قطر التي يبدو أنها اكتشفت الحل السحري حين استبدلتْ الصخرة بكرة قدم، فكان أن تسنّمت الكرة القمة دون أن تتدحرج إلى أسفل الوادي .
هذا النجاح الباهر الذي حققته بطولة كأس العرب في دورتها التاسعة بالدوحة، بعد توقف طويل دام تسع سنوات، يثبت لنا أن ما يُجمّع الشعوب العربية أكثر بكثير مما يفرقها، وهو ما وعاه منظمو حفل الافتتاح في ملعب البيت بمدينة الخور القطرية عندما استدعوا جحا، الشخصية التراثية الشهيرة التي تمزج الحكمة بالفكاهة، ليقول للعرب: “أنتم متفرّقون اليوم بشدة، ولكنكم تجتمعون على أشياء كثيرة دون إدراك منكم” وضرب لهم مثالين، هما كرة القدم والموسيقى.
وبالفعل، أستطيع القول إن من إنجازات هذه البطولة أن خلقت “حالة عروبية” افتقدناها كثيرًا في ظل الخصومات السياسية التي ورّطت فيها السياساتُ العربية شعوبَها، فاستطاعت الرياضة هنا إصلاح بعضٍ مما أفسدته السياسة، لم نلمس هذا فقط من توحّد ستة عشر نشيدًا وطنيًّا عربيًّا في نشيد واحد كما رأينا في حفل الافتتاح، وليس فقط من رقص الجمهورين الجزائري والمغربي معًا خارج أرضية الملعب متجاهِلين الخلافات السياسية بين البلدين، ولكن أيضًا من تجمُّع هذا العدد الكبير من العرب على اختلاف جنسياتهم في مكان واحد، وما كان هذا ليحدث إلا في مدينة كوزموبوليتية كالدوحة.
وبالعودة إلى جحا وحفل الافتتاح فقد ذكّرني جمعُ فنانَيْن عربيَيْن كبيرَيْن راحِلَيْن هما عبدالحسين عبدالرضا وسعيد صالح، مجسَّدَيْن بتقنية الهولوغرام، ذكّرني بحُلم لم يستطع نجمان عربيان آخران – لا يزالان على قيد الحياة – تحقيقه منذ أن حَلُما به لأول مرة في مهرجان قرطاج في تونس سنة 1984م، ألا وهما الفنانان الكبيران عادل إمام ودريد لحام، اللذان ظلا يتحدثان منذ ذلك العام عن حلمهما بفيلم يجمعهما معًا، اسمه “وطن في السماء” ولم يتحقق حتى اليوم. وهنا يمكن التوصُّل بمرارة إلى حكمة شبيهة بحِكَم بطل حفل الافتتاح جحا: تستطيع الإرادة وحدها – إذا ما وُجِدتْ – جمعَ حتى الأموات، أما الأحياء فلن يجتمعوا بلا إرادة. الإرادة وحدها هي كلمة السرّ. ودونها لن نصل إلى أبعد مما وصلتْ إليه صخرة سيزيف.

-صحيفة عمان الأحد  19ديسمبر 3021

مقالات ذات صلة